فصل 
فصول في هديه - صلى الله عليه وسلم - في العلاج بالأدوية الروحانية الإلهية المفردة ، والمركبة منها ، ومن الأدوية الطبيعية 
فصل 
في هديه - صلى الله عليه وسلم - في علاج المصاب بالعين  
روى  مسلم  في " صحيحه " عن  ابن عباس  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين  ) . 
وفي " صحيحه " أيضا عن أنس  ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( رخص في الرقية من الحمة والعين والنملة  ) 
وفي " الصحيحين " من حديث  أبي هريرة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( العين حق   ) . 
وفي سنن أبي داود   " عن  عائشة  رضي الله عنها قالت : ( كان يؤمر العائن فيتوضأ ، ثم يغتسل منه المعين  ) . 
 [ ص: 150 ] وفي " الصحيحين " عن  عائشة  قالت : ( أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو أمر أن نسترقي من العين   ) . 
وذكر  الترمذي  ، من حديث  سفيان بن عيينة  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن عروة بن عامر  ، عن عبيد بن رفاعة الزرقي   ( أن  أسماء بنت عميس  ، قالت : يا رسول الله إن بني جعفر  تصيبهم العين أفأسترقي لهم ؟ فقال : " نعم فلو كان شيء يسبق القضاء لسبقته العين  ) قال  الترمذي   : حديث حسن صحيح . 
وروى مالك   - رحمه الله - عن  ابن شهاب  عن  أبي أمامة بن سهل بن حنيف  قال : ( رأى  عامر بن ربيعة   سهل بن حنيف  يغتسل ، فقال : والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة ، قال : فلبط سهل  ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامرا  فتغيظ عليه ، وقال : " علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت اغتسل له " ، فغسل له عامر   : وجهه ويديه ، ومرفقيه ، وركبتيه ، وأطراف رجليه ، وداخلة إزاره في قدح ، ثم صب عليه ، فراح مع الناس  ). 
وروى مالك   - رحمه الله - أيضا عن محمد بن أبي أمامة بن سهل  ، عن أبيه هذا الحديث وقال فيه : " إن العين حق توضأ له "فتوضأ له  . 
وذكر عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن ابن طاووس  ، عن أبيه مرفوعا : ( العين حق ولو كان شيء سابق القدر ، لسبقته العين ، وإذا استغسل أحدكم  [ ص: 151 ] فليغتسل  ) ووصله صحيح . 
قال  الزهري   : يؤمر الرجل العائن بقدح ، فيدخل كفه فيه ، فيتمضمض ، ثم يمجه في القدح ، ويغسل وجهه في القدح ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ، ثم يغسل داخلة إزاره ، ولا يوضع القدح في الأرض ، ثم يصب على رأس الرجل الذي تصيبه العين من خلفه صبة واحدة . 
والعين عينان عين إنسية ، وعين جنية ، فقد صح عن  أم سلمة  ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة ، فقال : ( استرقوا لها ، فإن بها النظرة  ) . 
قال  الحسين بن مسعود الفراء   : وقوله " سفعة " أي نظرة يعني : من الجن ، يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح . 
ويذكر عن جابر  يرفعه ( إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر  ) . 
 [ ص: 152 ] وعن أبي سعيد  ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( كان يتعوذ من الجان  ، ومن عين الإنسان  ) . 
فأبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين ، وقالوا : إنما ذلك أوهام لا حقيقة له ، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ، ومن أغلظهم حجابا ، وأكثفهم طباعا ، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس . وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها ، وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ، ولا تنكره ، وإن اختلفوا في سبب وجهة تأثير العين . 
فقالت طائفة : إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين ، فيتضرر . قالوا : ولا يستنكر هذا ، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان ، فيهلك ، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك ، فكذلك العائن . 
وقالت فرقة أخرى : لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية ، فتتصل بالمعين ، وتتخلل مسام جسمه ، فيحصل له الضرر . 
وقالت فرقة أخرى : قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن لمن يعينه من غير أن يكون منه قوة ، ولا سبب ، ولا تأثير أصلا ، وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم ، وهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات ، والأسباب وخالفوا العقلاء أجمعين . 
ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ،  [ ص: 153 ] وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام ، فإنه أمر مشاهد محسوس ، وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة ، إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه ، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه ، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها ، وليست هي الفاعلة ، وإنما التأثير للروح ، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها ، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا . 
ولهذا أمر الله - سبحانه - رسوله أن يستعيذ به من شره ، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية ، وهو أصل الإصابة بالعين ، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى ، فإن السم كامن فيها بالقوة ، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية ، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية . 
فمنها : ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين . 
ومنها : ما تؤثر في طمس البصر كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأبتر وذي الطفيتين من الحيات : ( إنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل  ) . 
ومنها : ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به ، لشدة خبث تلك النفس ، وكيفيتها الخبيثة المؤثرة ، والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية ، كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة ، بل التأثير يكون تارة بالاتصال ، وتارة بالمقابلة ، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية ، والرقى ، والتعوذات ، وتارة بالوهم والتخيل ، ونفس العائن لا يتوقف  [ ص: 154 ] تأثيرها على الرؤية ، بل قد يكون أعمى ، فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه ، وإن لم يره ، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية ، وقد قال تعالى لنبيه ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر   ) [ القلم :51 ] . وقال : ( قل أعوذ برب الفلق  من شر ما خلق  ومن شر غاسق إذا وقب  ومن شر النفاثات في العقد  ومن شر حاسد إذا حسد   ) ، فكل عائن حاسد ، وليس كل حاسد عائنا ، فلما كان الحاسد أعم من العائن ، كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن ، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة ، وتخطئه تارة ، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه ، أثرت فيه ، ولا بد وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه ، وربما ردت السهام على صاحبها ، وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء ، فهذا من النفوس والأرواح وذاك من الأجسام والأشباح . 
وأصله من إعجاب العائن بالشيء ، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين ، وقد يعين الرجل نفسه ، وقد يعين بغير إرادته ، بل بطبعه ، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني ، وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء : إن من عرف بذلك ، حبسه الإمام ، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت ، وهذا هو الصواب قطعا . 
				
						
						
