[ ص: 228 ] فصل
وأما الجماع والباه ، فكان هديه فيه أكمل هدي ، يحفظ به الصحة ، وتتم به اللذة وسرور النفس ، ويحصل به مقاصده التي وضع لأجلها ، فإن وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية : الجماع
أحدها : حفظ النسل ، ودوام النوع إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم .
الثاني : إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن .
الثالث : قضاء الوطر ، ونيل اللذة ، والتمتع بالنعمة ، وهذه وحدها هي الفائدة التي في الجنة ، إذ لا تناسل هناك ، ولا احتقان يستفرغه الإنزال .
وفضلاء الأطباء يرون أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة . قال جالينوس : الغالب على جوهر المني النار والهواء ، ومزاجه حار رطب ؛ لأن كونه من الدم الصافي الذي تغتذي به الأعضاء الأصلية ، وإذا ثبت فضل المني ، فاعلم أنه لا ينبغي إخراجه إلا في طلب النسل ، أو إخراج المحتقن منه ، فإنه إذا دام احتقانه أحدث أمراضا رديئة ، منها : الوسواس ، والجنون ، والصرع ، وغير ذلك ، وقد يبرئ استعماله من هذه الأمراض كثيرا ، فإنه إذا طال احتباسه فسد واستحال إلى كيفية سمية توجب أمراضا رديئة كما ذكرنا ، ولذلك تدفعه الطبيعة بالاحتلام إذا كثر عندها من غير جماع .
وقال بعض السلف : ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثا : أن لا يدع المشي ، فإن احتاج إليه يوما قدر عليه ، وينبغي أن لا يدع الأكل ، فإن أمعاءه تضيق ، وينبغي أن لا يدع الجماع ، فإن البئر إذا لم تنزح ذهب ماؤها . وقال : من ترك الجماع مدة طويلة ضعفت قوى أعصابه ، وانسدت مجاريها ، وتقلص ذكره . قال : ورأيت جماعة تركوه لنوع من التقشف ، فبردت [ ص: 229 ] أبدانهم ، وعسرت حركاتهم ، ووقعت عليهم كآبة بلا سبب ، وقلت شهواتهم وهضمهم ، انتهى . محمد بن زكريا
ومن منافعه : غض البصر ، وكف النفس ، والقدرة على العفة عن الحرام ، وتحصيل ذلك للمرأة ، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه ، وينفع المرأة ، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يتعاهده ويحبه ، ويقول : ( ) . حبب إلي من دنياكم : النساء والطيب
وفي كتاب " الزهد " في هذا الحديث زيادة لطيفة ، وهي : ( للإمام أحمد أصبر عن الطعام والشراب ، ولا أصبر عنهن ) .
وحث على التزويج أمته ، فقال : ( ) . تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم
وقال : ( ابن عباس ) . خير هذه الأمة أكثرها نساء
وقال : ( ) . إني أتزوج النساء ، وأنام وأقوم ، وأصوم وأفطر ، فمن رغب عن سنتي فليس مني
وقال : ( ، فإنه أغض [ ص: 230 ] للبصر ، وأحفظ للفرج ، ومن لم يستطع ، فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) .
ولما تزوج جابر ثيبا قال له : ( ) . هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك
وروى في " سننه " : من حديث ابن ماجه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( أنس بن مالك ) . من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا ، فليتزوج الحرائر
وفي " سننه " أيضا من حديث يرفعه ، قال : ( ابن عباس ) . لم نر للمتحابين مثل النكاح
وفي " صحيح " من حديث مسلم ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( عبد الله بن عمر ) . الدنيا متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة
وكان - صلى الله عليه وسلم - يحرض أمته على ، وذوات الدين ، وفي " سنن نكاح الأبكار الحسان " عن النسائي قال : أبي هريرة ) . سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي النساء خير ؟ [ ص: 231 ] قال : ( التي تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله
وفي " الصحيحين " عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ) . تنكح المرأة لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك
وكان يحث على ، ويكره المرأة التي لا تلد ، كما في " سنن نكاح الولود أبي داود " عن ، أن معقل بن يسار ) . رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال ، وإنها لا تلد ، أفأتزوجها ؟ قال : " لا " ، ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة ، فقال : ( تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم
وفي عنه مرفوعا : ( الترمذي ) ، روي في " الجامع " بالنون والياء ، وسمعت أربع من سنن المرسلين : النكاح ، والسواك ، والتعطر ، والحناء أبا الحجاج الحافظ يقول : الصواب أنه الختان ، وسقطت النون من الحاشية ، وكذلك رواه المحاملي عن شيخ . أبي عيسى الترمذي
ومما ينبغي تقديمه على الجماع ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلاعب أهله ويقبلها . ملاعبة المرأة ، وتقبيلها ، ومص [ ص: 232 ] لسانها
وروى أبو داود في " سننه " أنه - صلى الله عليه وسلم - ، ويمص لسانها عائشة . كان يقبل
ويذكر عن قال : جابر بن عبد الله . نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المواقعة قبل الملاعبة
وكان - صلى الله عليه وسلم - ربما جامع نساءه كلهن بغسل واحد ، وربما اغتسل عند كل واحدة منهن ، فروى في " صحيحه " عن مسلم أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ) . كان يطوف على نسائه بغسل واحد
وروى أبو داود في " سننه " عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . طاف على نسائه في ليلة ، فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا ، فقلت : يا رسول الله ! لو اغتسلت غسلا واحدا ، فقال : ( هذا أزكى وأطهر وأطيب
وشرع للمجامع إذا أراد العود قبل الغسل الوضوء بين الجماعين ، كما روى في " صحيحه " من حديث مسلم ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( أبي سعيد الخدري إذا أتى أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعود فليتوضأ ) .
وفي الغسل والوضوء بعد الوطء من النشاط ، وطيب النفس ، وإخلاف بعض ما تحلل بالجماع ، وكمال الطهر والنظافة ، واجتماع الحار الغريزي إلى [ ص: 233 ] داخل البدن بعد انتشاره بالجماع ، وحصول النظافة التي يحبها الله ، ويبغض خلافها ما هو من أحسن التدبير في الجماع ، وحفظ الصحة والقوى فيه .