فضة : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ) ، ولم يصح عنه في المنع من كان خاتمه من فضة ، وفصه منه ، وكانت قبيعة سيفه فضة شيء البتة ، كما صح عنه المنع من الشرب في آنيتها ، وباب الآنية أضيق من باب اللباس والتحلي ، ولهذا يباح للنساء لباسا ، وحلية ما يحرم عليهن استعماله آنية ، فلا يلزم من تحريم الآنية تحريم اللباس والحلية . لباس الفضة والتحلي بها
وفي " السنن " عنه : ( ) . فالمنع يحتاج إلى دليل يبينه ، إما نص أو إجماع ، فإن ثبت أحدهما ، وإلا ففي القلب من تحريم ذلك على الرجال شيء ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمسك بيده ذهبا ، وبالأخرى حريرا ، وقال : ( وأما الفضة فالعبوا بها لعبا ) . هذان حرام على ذكور أمتي ، حل لإناثهم
[ ص: 321 ] والفضة سر من أسرار الله في الأرض ، وطلسم الحاجات ، وإحسان أهل الدنيا بينهم ، وصاحبها مرموق بالعيون بينهم ، معظم في النفوس ، مصدر في المجالس ، لا تغلق دونه الأبواب ، ولا تمل مجالسته ، ولا معاشرته ، ولا يستثقل مكانه ، تشير الأصابع إليه ، وتعقد العيون نطاقها عليه ، إن قال سمع قوله ، وإن شفع قبلت شفاعته ، وإن شهد ، زكيت شهادته ، وإن خطب فكفء لا يعاب ، وإن كان ذا شيبة بيضاء ، فهي أجمل عليه من حلية الشباب .
وهي من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم والحزن ، وضعف القلب وخفقانه ، وتدخل في المعاجين الكبار ، وتجتذب بخاصيتها ما يتولد في القلب من الأخلاط الفاسدة ، خصوصا إذا أضيفت إلى العسل المصفى ، والزعفران .
ومزاجها إلى اليبوسة والبرودة ، ويتولد عنها من الحرارة والرطوبة ما يتولد ، والجنان التي أعدها الله عز وجل لأوليائه يوم يلقونه أربع : جنتان من ذهب ، وجنتان من فضة ، آنيتهما وحليتهما وما فيهما . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في " الصحيح " من حديث أم سلمة أنه قال : ( إنما يجرجر في بطنه نار جهنم يشرب في آنية الذهب والفضة ) . الذي
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ) . لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافهما ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة
فقيل : علة التحريم تضييق النقود ، فإنها إذا اتخذت أواني فاتت الحكمة [ ص: 322 ] التي وضعت لأجلها من قيام مصالح بني آدم ، وقيل : العلة الفخر والخيلاء . وقيل : العلة كسر قلوب الفقراء والمساكين إذا رأوها وعاينوها .
وهذه العلل فيها ما فيها ، فإن التعليل بتضييق النقود يمنع من التحلي بها وجعلها سبائك ونحوها مما ليس بآنية ولا نقد ، والفخر والخيلاء حرام بأي شيء كان وكسر قلوب المساكين لا ضابط له ، فإن قلوبهم تنكسر بالدور الواسعة والحدائق المعجبة ، والمراكب الفارهة ، والملابس الفاخرة ، والأطعمة اللذيذة ، وغير ذلك من المباحات ، وكل هذه علل منتقضة ، إذ توجد العلة ، ويتخلف معلولها .
فالصواب أن العلة - والله أعلم - ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة ، والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة ، ولهذا علل النبي صلى الله عليه وسلم بأنها للكفار في الدنيا ، إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها ، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا ، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته ، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة .