فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه
( ) ويقول ( كان إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش ، يقول : " صبحكم ومساكم " ) . بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى
ويقول ( ) . أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة
ثم يقول : [ ص: 412 ] ( ) رواه أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي . مسلم
وفي لفظ : كانت ، يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته فذكره . خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
وفي لفظ : يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ، ثم يقول : ( ) . من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وخير الحديث كتاب الله
وفي لفظ : ( للنسائي ) . وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
وكان يقول في خطبته بعد التحميد والثناء والتشهد : " أما بعد " .
وكان يقصر الخطبة ويطيل الصلاة ، ويكثر الذكر ويقصد الكلمات الجوامع ، وكان يقول : ( ) . إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه
وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ، ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي ، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين .
[ ص: 413 ] ونهى عن ذلك ، وأمره بالجلوس . المتخطي رقاب الناس
وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض ، أو السؤال من أحد من أصحابه ، فيجيبه ، ثم يعود إلى خطبته ، فيتمها .
، ثم يعود فيتمها كما ( وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة ) . نزل لأخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فأخذهما ثم رقي بهما المنبر ، فأتم خطبته
وكان يدعو الرجل في خطبته : تعال يا فلان ، اجلس يا فلان ، صل يا فلان .
وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته ، فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة وحضهم عليها .
[ ص: 414 ] وكان يشير بأصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه .
( ) . وكان يستسقي بهم إذا قحط المطر في خطبته
وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس ، فإذا اجتمعوا خرج إليهم وحده من غير شاويش يصيح بين يديه ، ولا لبس طيلسان ولا طرحة ولا سواد ، فإذا دخل المسجد سلم عليهم ، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم ، ولم يدع مستقبل القبلة ، ثم يجلس ويأخذ بلال في الأذان ، فإذا فرغ منه قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب من غير فصل بين الأذان والخطبة ، لا بإيراد خبر ولا غيره .
ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره ، وإنما ( ) وكان في الحرب يعتمد على قوس ، وفي الجمعة يعتمد على [ ص: 415 ] عصا . ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف ، وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائما ، وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف ، فمن فرط جهله ، فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره ، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا البتة وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس . كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر ،
، وكان قبل اتخاذه يخطب إلى جذع يستند إليه ، فلما تحول إلى المنبر ، وكان منبره ثلاث درجات حنينا سمعه أهل المسجد ، فنزل إليه صلى الله عليه وسلم وضمه ، قال حن الجذع أنس : حن لما فقد ما كان يسمع من الوحي ، وفقده التصاق النبي صلى الله عليه وسلم .
ولم يوضع المنبر في وسط المسجد ، وإنما وضع في جانبه الغربي قريبا من الحائط ، وكان بينه وبين الحائط قدر ممر الشاة .
وكان إذا جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم في غير الجمعة ، أو خطب قائما في الجمعة ، [ ص: 416 ] استدار أصحابه إليه بوجوههم ، وكان وجهه صلى الله عليه وسلم قبلهم في وقت الخطبة .
، فإذا فرغ منها أخذ وكان يقوم فيخطب ، ثم يجلس جلسة خفيفة ، ثم يقوم فيخطب الثانية بلال في الإقامة . وكان يأمر الناس بالدنو منه ، ويأمرهم بالإنصات ويخبرهم ( . ويقول : أن الرجل إذا قال لصاحبه : أنصت فقد لغا ) . من لغا فلا جمعة له
وكان يقول : ( ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له : أنصت ليست له جمعة تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ) . رواه من . الإمام أحمد
: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ( تبارك ) وهو قائم ، فذكرنا بأيام الله ، أبي بن كعب أو وأبو الدرداء أبو ذر يغمزني ، فقال : متى أنزلت هذه السورة ؟ فإني لم أسمعها إلا الآن ، فأشار إليه أن اسكت ، فلما انصرفوا قال : سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني ، فقال : إنه ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت ، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، وأخبره بالذي قال له أبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق أبي " . ذكره وقال ، ابن ماجه ، [ ص: 417 ] وأصله في " مسند وسعيد بن منصور أحمد " .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) ) ذكره يحضر الجمعة ثلاثة نفر : رجل حضرها يلغو وهو حظه منها ، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه ، وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة له إلى يوم الجمعة التي تليها ، وزيادة ثلاثة أيام ، وذلك أن الله عز وجل يقول : ( أحمد وأبو داود .
وكان إذا فرغ بلال من الأذان ، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة ، ولم يكن الأذان إلا واحدا ، وهذا يدل على أن ، وهذا أصح قولي العلماء ، وعليه تدل السنة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته ، فإذا رقي المنبر أخذ الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها بلال في أذان الجمعة ، فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل ، وهذا كان رأي عين فمتى كانوا يصلون السنة ؟! ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة ، وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنة قبلها هو مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه ، وأحد الوجهين لأصحاب . الشافعي
والذين قالوا : إن لها سنة منهم من احتج أنها ظهر مقصورة ، فيثبت لها أحكام الظهر ، وهذه حجة ضعيفة جدا ، فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر والعدد ، والخطبة ، والشروط المعتبرة لها ، وتوافقها في الوقت ، وليس إلحاق مسألة النزاع بموارد الاتفاق أولى من إلحاقها بموارد الافتراق ، بل إلحاقها بموارد الافتراق أولى ؛ لأنها أكثر مما اتفقا فيه .
ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر ، وهو أيضا قياس فاسد ، فإن السنة ما كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل ، أو سنة خلفائه الراشدين ، وليس في مسألتنا شيء من ذلك ، ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس ؛ [ ص: 418 ] لأن هذا مما انعقد سبب فعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا لم يفعله ولم يشرعه ، كان تركه هو السنة ، ونظير هذا أن يشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها بالقياس ، فلذلك كان الصحيح أنه لا يسن الغسل للمبيت بمزدلفة ، ولا لرمي الجمار ، ولا للطواف ولا للكسوف ولا للاستسقاء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يغتسلوا لذلك مع فعلهم لهذه العبادات .
ومنهم من احتج بما ذكره في " صحيحه " فقال : باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها : حدثنا البخاري عبد الله بن يوسف ، أنبأنا مالك عن نافع عن أن النبي صلى الله عليه وسلم ( ابن عمر ) وهذا لا حجة فيه ولم يرد به كان يصلي قبل الظهر ركعتين ، وبعدها ركعتين ، وبعد المغرب ركعتين في بيته ، وقبل العشاء ركعتين ، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف ، فيصلي ركعتين إثبات السنة قبل الجمعة ، وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيء ؟ ثم ذكر هذا الحديث ، أي أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها ، ولم يرد قبلها شيء . البخاري
وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين ، فإنه قال : باب الصلاة قبل العيد وبعدها ، وقال أبو المعلى : سمعت سعيدا عن أنه كره ابن عباس . ثم ذكر حديث الصلاة قبل العيد ، عن سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم ( ابن عباس بلال ) الحديث . خرج يوم الفطر فصلى ركعتين ، لم يصل قبلهما ولا بعدهما ومعه
[ ص: 419 ] فترجم للعيد مثل ما ترجم للجمعة ، وذكر للعيد حديثا دالا على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها فدل على أن مراده من الجمعة كذلك .
وقد ظن بعضهم أن الجمعة لما كانت بدلا عن الظهر - وقد ذكر في الحديث السنة قبل الظهر وبعدها - دل على أن الجمعة كذلك ، وإنما قال ( ) بيانا لموضع وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف ، وأنه بعد الانصراف ، وهذا الظن غلط منه ، لأن صلاة السنة بعد الجمعة قد ذكر في باب التطوع بعد المكتوبة حديث البخاري رضي الله عنه : ( ابن عمر ) صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر ، وسجدتين بعد الظهر ، وسجدتين بعد المغرب ، وسجدتين بعد العشاء ، وسجدتين بعد الجمعة
فهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر ، وإلا لم يحتج إلى ذكرها لدخولها تحت اسم الظهر ، فلما لم يذكر لها سنة إلا بعدها علم أنه لا سنة لها قبلها .
ومنهم من احتج بما رواه في " سننه " عن ابن ماجه ، أبي هريرة وجابر ، قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له : ( ) وإسناده ثقات . أصليت ركعتين قبل أن تجيء ؟ " قال لا . قال : " فصل ركعتين وتجوز فيهما
قال : وقوله : ( قبل أن تجيء ) يدل عن أن هاتين الركعتين سنة الجمعة وليستا تحية المسجد . قال : شيخنا حفيده أبو البركات ابن تيمية أبو العباس : وهذا غلط ، والحديث المعروف في " الصحيحين " عن جابر ، قال : . وقال ( دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : ( أصليت قال : لا . قال : فصل [ ص: 420 ] ركعتين ) ) . فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث ، وأفراد إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما في الغالب غير صحيحة ، هذا معنى كلامه . ابن ماجه
وقال شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزي : هذا تصحيف من الرواة إنما هو ( أصليت قبل أن تجلس ) فغلط فيه الناسخ .
وقال : وكتاب إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به بخلاف صحيحي ابن ماجه البخاري ، فإن الحفاظ تداولوهما ، واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما ، قال : ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف . ومسلم
قلت : ويدل على صحة هذا أن الذين اعتنوا بضبط سنن الصلاة قبلها وبعدها ، وصنفوا في ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرها ، لم يذكر واحد منهم هذا الحديث في سنة الجمعة قبلها ، وإنما ذكروه في استحباب فعل ، واحتجوا به على من منع من فعلها في هذه الحال فلو كانت هي سنة الجمعة لكان ذكرها هناك ، والترجمة عليها وحفظها وشهرتها أولى من تحية المسجد . تحية المسجد والإمام على المنبر
ويدل عليه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهاتين الركعتين إلا الداخل لأجل أنها تحية المسجد .
ولو كانت سنة الجمعة ، لأمر بها القاعدين أيضا ولم يخص بها الداخل وحده .
ومنهم من احتج بما رواه أبو داود في " سننه " قال : حدثنا مسدد ، قال حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن نافع ، قال : يطيل الصلاة قبل الجمعة ، ويصلي بعدها ركعتين في بيته ، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ابن عمر . كان
وهذا لا حجة فيه على أن للجمعة سنة قبلها وإنما أراد [ ص: 421 ] بقوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك : أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته لا يصليهما في المسجد ، وهذا هو الأفضل فيهما ، كما ثبت في " الصحيحين " عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ابن عمر ) كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته
وفي " السنن " أنه إذا كان ابن عمر بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ، ثم تقدم فصلى أربعا ، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل بالمسجد ، فقيل له فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك . عن
وأما إطالة الصلاة قبل الجمعة فإنه تطوع مطلق ، وهذا هو الأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام كما تقدم من حديث ابن عمر ، أبي هريرة ونبيشة الهذلي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أبو هريرة ) من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى المسجد ، فصلى ما قدر له ، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ، ثم يصلي معه ، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ، وفضل ثلاثة أيام
وفي حديث نبيشة الهذلي : ( ) هكذا كان هدي الصحابة رضي الله عنهم . إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحدا ، فإن لم يجد الإمام خرج ، صلى ما بدا له وإن وجد الإمام خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه ، إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن تكون كفارة للجمعة التي تليها
قال ابن المنذر : روينا عن : أنه كان يصلي قبل الجمعة ثنتي عشرة ركعة . ابن عمر
[ ص: 422 ] وعن ، أنه كان يصلي ثمان ركعات . ابن عباس
وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع المطلق ، ولذلك اختلف في العدد المروي عنهم في ذلك ، وقال في " الجامع " : وروي عن الترمذي أنه ( كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ) . وإليه ذهب ابن مسعود ابن المبارك . والثوري
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري : رأيت أبا عبد الله إذا كان يوم الجمعة يصلي إلى أن يعلم أن الشمس قد قاربت أن تزول ، فإذا قاربت أمسك عن الصلاة حتى يؤذن المؤذن ، فإذا أخذ في الأذان قام فصلى ركعتين أو أربعا ، يفصل بينهما بالسلام ، فإذا صلى الفريضة انتظر في المسجد ، ثم يخرج منه فيأتي بعض المساجد التي بحضرة الجامع فيصلي فيه ركعتين ، ثم يجلس وربما صلى أربعا ، ثم يجلس ثم يقوم فيصلي ركعتين أخريين فتلك ست ركعات على حديث علي وربما صلى بعد الست ستا أخر أو أقل أو أكثر .
وقد أخذ من هذا بعض أصحابه رواية : أن أو أربعا وليس هذا بصريح ، بل ولا ظاهر ، فإن للجمعة قبلها سنة ركعتين أحمد كان يمسك عن الصلاة في وقت النهي ، فإذا زال وقت النهي ، قام فأتم تطوعه إلى خروج الإمام فربما أدرك أربعا ، وربما لم يدرك إلا ركعتين .
ومنهم من احتج على ثبوت السنة قبلها بما رواه في " سننه " حدثنا ابن ماجه ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا يزيد بن عبد ربه عن بقية مبشر بن عبيد ، عن ، عن حجاج بن أرطأة ، عن عطية العوفي ، قال ( ابن عباس ) كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعا ، لا يفصل بينها في شيء منها
قال : باب الصلاة قبل الجمعة فذكره . ابن [ ص: 423 ] ماجه
وهذا الحديث فيه عدة بلايا ، إحداها : : إمام المدلسين ، وقد عنعنه ، ولم يصرح بالسماع . بقية بن الوليد
الثانية : مبشر بن عبيد المنكر الحديث . وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : شيخ كان يقال له : مبشر بن عبيد كان بحمص أظنه كوفيا ، روى عنه ، بقية وأبو المغيرة ، أحاديثه أحاديث موضوعة كذب . وقال : الدارقطني مبشر بن عبيد متروك الحديث ، أحاديثه لا يتابع عليها .
الثالثة : الضعيف المدلس . الحجاج بن أرطأة
الرابعة : ، قال عطية العوفي : كان البخاري هشيم يتكلم فيه ، وضعفه أحمد وغيره .
وقال : البيهقي لا يحتج به ، عطية العوفي ومبشر بن عبيد الحمصي منسوب إلى وضع الحديث ، لا يحتج به . والحجاج بن أرطأة
قال بعضهم : ولعل الحديث انقلب على بعض هؤلاء الثلاثة الضعفاء لعدم ضبطهم وإتقانهم ، فقال : قبل الجمعة أربعا ، وإنما هو بعد الجمعة فيكون موافقا لما ثبت في " الصحيح " ونظير هذا : قول في رواية عبد الشافعي الله بن عمر العمري : ( ) قال للفارس سهمان ، وللراجل سهم : كأنه سمع الشافعي نافعا يقول : للفرس سهمان ، وللراجل سهم ، فقال للفارس سهمان ، وللراجل سهم . حتى يكون موافقا لحديث أخيه عبيد الله ، قال : وليس يشك أحد من أهل العلم في تقديم على أخيه عبيد الله بن عمر عبد الله في الحفظ .
قلت : ونظير هذا ما قاله في حديث شيخ الإسلام ابن تيمية ( أبي هريرة ) فانقلب على بعض الرواة ، فقال : أما النار فينشئ الله لها خلقا . لا تزال جهنم يلقى فيها ، وهي تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط . وأما الجنة : فينشئ [ ص: 424 ] الله لها خلقا
قلت : ونظير هذا حديث ( عائشة بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) وهو في " الصحيحين " ، فانقلب على بعض الرواة ، فقال ( إن يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم بلال )
ونظيره أيضا عندي حديث ( أبي هريرة ) وأظنه وهم - والله أعلم - فيما قاله رسوله الصادق المصدوق " وليضع ركبتيه قبل يديه " . كما قال إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه : ( وائل بن حجر ) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه
وقال الخطابي وغيره : وحديث ، أصح من حديث وائل بن حجر . وقد سبقت المسألة مستوفاة في هذا الكتاب والحمد لله . أبي هريرة
، [ ص: 425 ] وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعا . وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة دخل إلى منزله فصلى ركعتين سنتها
قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية : إن صلى في المسجد صلى أربعا ، وإن صلى في بيته صلى ركعتين . قلت وعلى هذا تدل الأحاديث ، وقد ذكر أبو داود ، عن أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعا ، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين . ابن عمر
وفي " الصحيحين " : عن أن النبي صلى الله عليه وسلم ( ابن عمر ) كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته
وفي " صحيح " عن مسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أبي هريرة ) . والله أعلم . إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات