وأما مقدار بقية الأركان مع القيام : فقد أخرجا في الصحيحين عن  شريك بن عبد الله بن أبي نمر  ، عن  أنس بن مالك  رضي الله عنه قال : " ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم    " . 
 [ ص: 94 ] وفي رواية عن  شريك  عنه : " وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتتن أمه   " . 
وأخرجا فيهما من حديث  عبد العزيز بن صهيب  ، عن  أنس بن مالك  رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها   " ، وفي لفظ : " يوجز الصلاة ويتم   " . 
وأخرجا أيضا عن  أبي قتادة  ، عن  أنس  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز من صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه   " رواه   مسلم  من حديث  ثابت  عن  أنس  رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة ، فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة   " . 
وروى   مسلم  أيضا عن  أنس  رضي الله عنه قال : " ما صليت خلف أحد أوجز صلاة ، ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت صلاته متقاربة ، وصلاة  أبي بكر  متقاربة ، فلما كان  عمر  رضي الله عنه مد في صلاة الصبح   " وعن  قتادة  عن  أنس  رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من   [ ص: 95 ] أخف الناس صلاة في تمام   " . 
فقول  أنس  رضي الله عنه : " ما صليت وراء إمام قط أخف ولا أتم صلاة من رسول الله   " يريد أنه صلى الله عليه وسلم كان أخف الأئمة صلاة وأتم الأئمة صلاة ، وهذا لاعتدال صلاته وتناسبها كما في اللفظ الآخر : " وكانت صلاته معتدلة   " وفي اللفظ الآخر : " كانت صلاته متقاربة   " لتخفيف قيامها وقعودها ، وتكون أتم صلاة لإطالة ركوعها وسجودها ، ولو أراد أن يكون نفس الفعل الواحد كالقيام هو أخف وهو أتم لناقض ذلك ، ولهذا بين التخفيف الذي كان يفعله إذا بكى الصبي وهو قراءة سورة قصيرة ، وبين أن  عمر بن الخطاب  مد في صلاة الصبح ، وإنما مد في القراءة ، فإن  عمر  رضي الله عنه كان يقرأ في الفجر بسورة يونس ، وسورة هود  ، وسورة يوسف . 
والذي يبين ذلك : ما رواه  أبو داود  في سننه ، عن  أنس بن مالك  رضي الله عنه قال : " ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : سمع الله لمن حمده ، قام حتى نقول : قد أوهم ، ثم يكبر ويسجد ، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول : قد أوهم   " كما أخرجا في الصحيحين عن  حماد بن زيد  عن  ثابت  ، عن  أنس  قال : " إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا " قال  ثابت     : " فكان  أنس  يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه ، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل : قد نسي   "  وللبخاري  من حديث  شعبة  عن  ثابت  قال : قال  أنس  رضي الله عنه   [ ص: 96 ] ينعت لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وكان يصلي ، فإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل : قد نسي   " . 
فهذه أحاديث  أنس  الصحيحة تصرح أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يوجزها ويكملها  ، والتي كانت أخف الصلاة وأتمها ، أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم فيها من الركوع حتى يقول القائل : إنه قد نسي ، ويقعد بين السجدتين حتى يقول القائل : قد نسي ، وإذا كان في هذا يفعل ذلك ، فمن المعلوم [ باتفاق ] المسلمين والسنة المتواترة أن الركوع والسجود لا ينقصان عن هذين الاعتدالين ، بل كثير من العلماء يقول : لا يشرع ولا يجوز أن يجعل هذين الاعتدالين بقدر الركوع والسجود ، بل ينقصان عن الركوع والسجود ، وفي الصحيحين من حديث  شعبة  عن  الحكم  قال : " غلب على الكوفة  رجل - قد سماه ، زمن  ابن الأشعث  ، وسماه  غندر  في رواية :  مطر بن ناجية     - فأمر  أبا عبيدة بن عبد الله  أن يصلي بالناس ، فكان يصلي ، فإذا رفع رأسه من الركوع قام قدر ما أقول : اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " قال  الحكم     : فذكرت ذلك   لعبد الرحمن بن أبي ليلى  قال : سمعت  البراء بن عازب  يقول : " كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - قيامه وركوعه ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وسجوده ، وما بين السجدتين - قريبا من السواء   " ، قال  شعبة     : فذكرته  لعمرو بن مرة  ، فقال : " قد رأيت  عبد الرحمن بن أبي ليلى  فلم تكن صلاته هكذا " ، ولفظ   [ ص: 97 ] مطر  عن  شعبة     : " كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده  وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود ، قريبا من السواء   " وهو في الصحيح والسنن من حديث  هلال بن أبي حميد  ، عن  ابن أبي ليلى  ، عن  البراء بن عازب  قال : " رمقت الصلاة مع محمد  صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركوعه فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء   " . 
ويشهد لهذا ما رواه   مسلم  وأبو داود   والنسائي  عن  أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول حين يرفع رأسه من الركوع    : " سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد   " . 
وقوله : " أحق ما قال العبد " هكذا هو في الحديث ، وهو خبر مبتدأ محذوف ، وأما ما ذكره بعض المصنفين من الفقهاء والصوفية من قوله : " حق ما قال العبد " فهو تحريف بلا نزاع بين أهل العلم بالحديث والسنة ، ليس له أصل في الأثر ، ومعناه أيضا فاسد ، فإن   [ ص: 98 ] العبد يقول الحق والباطل ، وأما الرب سبحانه وتعالى فهو يقول الحق ويهدي السبيل ، كما قال تعالى : ( فالحق والحق أقول    ) . 
				
						
						
