فصل 
في [ ارتباط ] صلاة المأموم بصلاة الإمام  
الناس فيه على ثلاثة أقوال : 
أحدها : أنه لا ارتباط بينهما ، وأن كل امرئ يصلي لنفسه ، وفائدة الائتمام في تكثير الثواب بالجماعة ، وهذا هو الغالب على أصل  الشافعي  ، لكن قد عورض بمنعه اقتداء القارئ بالأمي والرجل بالمرأة ، وإبطال صلاة المؤتم بمن لا صلاة له كالكافر  والمحدث ، وفي هذه المسائل كلام ليس هذا موضعه . 
ومن الحجة فيه : قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأئمة : " إن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم   " . 
 [ ص: 122 ] والقول الثاني : أنها منعقدة بصلاة الإمام وفرع عليها مطلقا ، فكل خلل حصل في صلاة الإمام يسري إلى صلاة المأموم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " الإمام ضامن   " وعلى هذا فالمؤتم بالمحدث الناسي لحدثه يعيد كما يعيد إمامه ، وهذا مذهب   أبي حنيفة  ، ورواية عن  أحمد  اختارها  أبو الخطاب  ، حتى اختار بعض هؤلاء  كمحمد بن الحسن  أن لا يأتم المتوضئ بالمتيمم  لنقص طهارته عنه . 
والقول الثالث : أنها منعقدة بصلاة الإمام ، لكن إنما يسري النقص إلى صلاة المأموم مع عدم العذر منهما ، فأما مع العذر فلا يسري النقص ، فإذا كان الإمام يعتقد طهارته فهو معذور في الإمامة والمأموم معذور في الائتمام ، وهذا قول  مالك  وأحمد  وغيرهما ، وعليه ينزل ما يؤثر عن الصحابة في هذه المسألة وهو أوسط الأقوال ، كما ذكرنا في نفس صفة الإمام الناقص : أن حكمه مع الحاجة يخالف حكمه مع عدم الحاجة ، فحكم صلاته كحكم نفسه . 
وعلى هذا أيضا ينبني اقتداء المؤتم بإمام قد ترك ما يعتقده المأموم من فرائض الصلاة  ، إذا كان الإمام متأولا تأويلا يسوغ ، كأن لا يتوضأ من خروج النجاسات من غير السبيلين ، ولا من مس الذكر ونحو ذلك ؛ فإن اعتقاد الإمام هنا صحة صلاته كاعتقاده صحتها مع عدم العلم بالحدث وأولى ؛ فإنه هناك تجب عليه الإعادة ، وهذا أصل نافع أيضا . 
ويدل على صحة هذا القول : ما أخرجه  البخاري  في صحيحه عن  أبي هريرة  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فلكم وعليهم   " فهذا نص في أن   [ ص: 123 ] الإمام إذا أخطأ كان درك خطئه عليه لا على المأمومين ، فمن صلى معتقدا لطهارته وكان محدثا أو جنبا أو كانت عليه نجاسة  ، وقلنا : عليه الإعادة للنجاسة كما يعيد من الحدث ، فهذا الإمام مخطئ في هذا الاعتقاد ، فيكون خطؤه عليه فيعيد صلاته ، وأما المأمومون فلهم هذه الصلاة وليس عليهم من خطئه شيء ، كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا نص في إجزاء صلاتهم . 
وكذلك لو ترك الإمام بعض فرائض الصلاة بتأويل أخطأ فيه عند المأموم  ، مثل أن يمس ذكره ويصلي ، أو يحتجم ويصلي ، أو يترك قراءة البسملة ، أو يصلي وعليه نجاسة لا يعفى عنها عند المأموم ، ونحو ذلك ، فهذا الإمام أسوأ أحواله أن يكون مخطئا إن لم يكن مصيبا ، فتكون هذه الصلاة للمأموم وليس عليه من خطأ إمامه شيء ، وكذلك روى  أحمد  وأبو داود  عن  عقبة بن عامر  رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم   " لكن لم يذكر  أبو داود     " وأتم الصلاة " فهذا الانتقاص يفسره الحديث الأول أنه الخطأ ، ومفهوم قوله : " وإن أخطأ فعليه ولا عليهم " أنه إذا تعمد لم يكن كذلك ، ولاتفاق المسلمين على أن من يترك الأركان المتفق عليها لا ينبغي الصلاة خلفه . 
				
						
						
