فضل تقديم الطعام إلى الزائرين وآدابه  
تقديم الطعام إلى الإخوان فيه فضل كثير ، قال  الحسن     : " كل نفقة ينفقها الرجل يحاسب عليها إلا نفقته على إخوانه في الطعام فإن الله أكرم من أن يسأله عن ذلك "   . 
وقال  علي  رضي الله عنه : " لأن أجمع إخواني على صاع من طعام أحب إلي من أن أعتق رقبة "   . 
وكان "  ابن عمر     " رضي الله عنهما يقول : " من كرم المرء طيب زاده في سفره وبذله لأصحابه "   . 
وكانوا رضي الله عنهم يجتمعون على قراءة القرآن ولا يتفرقون إلا عن ذواق . 
وأما آدابه : 
فبعضها في الدخول ، وبعضها في تقديم الطعام . 
أما الدخول فليس من السنة أن يقصد قوما متربصا لوقت طعامهم فيدخل عليهم وقت الأكل فإن ذلك من المفاجأة وقد نهي عنه ، قال الله تعالى : ( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه    ) [ الأحزاب : 53 ] يعني منتظرين حينه ونضجه ، أما إذا كان جائعا فقصد بعض إخوانه ليطعمه ولم يتربص به وقت أكله فلا بأس به ، وفيه إعانة لأخيه على حيازة ثواب الإطعام وهي عادة السلف ، فإن دخل ولم يجد صاحب الدار وكان واثقا بصداقته عالما بفرحه إذا أكل من طعامه فله أن يأكل بغير إذنه ، إذ المراد من الإذن الرضاء لا سيما في الأطعمة وأمرها على السعة ، فرب رجل يصرح بالإذن ويحلف وهو غير راض فأكل طعامه مكروه ، ورب غائب لم يأذن وأكل طعامه محبوب وقد قال تعالى : ( أو صديقكم    ) [ النور : 61 ] قال "  الحسن     " : " الصديق من استروحت إليه النفس واطمأن إليه القلب "   . 
كان "  محمد بن واسع     " وأصحابه يدخلون منزل  الحسن  فيأكلون ما يجدون بغير إذن ، فكان  الحسن  يدخل ويرى ذلك فيسر به ويقول : " هكذا كنا "   . 
ومشى قوم إلى منزل "  سفيان الثوري     " فلم يجدوه ففتحوا الباب وأنزلوا السفرة وجعلوا يأكلون ، فدخل  الثوري  وجعل يقول : " ذكرتموني أخلاق السلف هكذا كانوا "   . 
وأما آداب التقديم : 
فترك التكلف أولا وتقديم ما حضر ، كان  الفضيل  يقول : " إنما   [ ص: 96 ] تقاطع الناس بالتكلف يدعو أحدهم أخاه فيتكلف له فيقطعه عن الرجوع إليه " ، ومن التكلف أن يقدم جميع ما عنده فيجحف بعياله ويؤذي قلوبهم . 
قال بعضهم : " دخلنا على  جابر  رضي الله عنه فقدم لنا خبزا وخلا وقال : لولا أنا نهينا عن التكلف لتكلفت لكم   " . 
الأدب الثاني : وهو للزائر أن لا يقترح ولا يتحكم بشيء بعينه فربما يشق على المزور إحضاره ، فإن خيره أخوه بين طعامين فليختر أيسرهما عليه ، فإن علم أنه يسر باقتراحه ويتيسر عليه ذلك فلا يكره له الاقتراح . 
قال بعضهم : " الأكل على ثلاثة أنواع : مع الفقراء بالإيثار ، ومع الإخوان بالانبساط ، ومع أبناء الدنيا بالأدب " . 
الأدب الثالث : أن يشهي المزور أخاه الزائر ويلتمس منه الاقتراح مهما كانت نفسه طيبة بفعل ما يقترح فذلك حسن وفيه أجر وفضل جزيل . 
الأدب الرابع : أن لا يقول له : " هل أقدم لك طعاما " ؟ بل ينبغي أن يقدم إن كان ، فإن أكل وإلا فيرفعه . 
مسائل 
الأولى : رفع الطعام على المائدة  فيه تيسير للأكل فلا كراهة فيه بل هو مباح ما لم ينته إلى الكبر والتعاظم ، وما يقال إنه بدعة فجوابه أنه ليس كل ما أبدع منهيا بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرا من الشرع مع بقاء علته ، وليس في المائدة إلا رفع الطعام عن الأرض لتيسير الأكل ونحوه مما لا كراهة فيه . 
الثانية : الأكل والشرب متكئا  مكروه مضر للمعدة ومثله الأكل مضطجعا ومنبطحا    . 
الثالثة : السنة البداءة بالطعام قبل الصلاة  ، وفي الحديث : " إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء   " ، وكان "  ابن عمر     " رضي الله عنهما ربما سمع قراءة الإمام ولا يقوم من عشائه ; نعم إن كانت النفس لا تتوق إلى الطعام ولم يكن في تأخير الطعام ضرر فالأولى تقديم الصلاة . 
				
						
						
