ما لا بد للمسافر من تعلمه من رخص السفر 
اعلم أن المسافر يحتاج في أول سفره إلى أن يتزود لدنياه وآخرته  ، وأما زاد الدنيا : فالطعام والشراب وما يحتاج إليه من نفقة ، فإن خرج من غير زاد فلا بأس به إذا كان سفره في قافلة أو بين قرى متصلة ، وإن ركب البادية وحده أو مع قوم لا طعام معهم ولا شراب ، فإن كان ممن يصبر على الجوع أسبوعا أو عشرا مثلا أو يكتفي بالحشيش فله ذلك ، وإن لم يكن له قوة الصبر على الجوع ولا الاجتزاء بالحشيش فخروجه من غير زاد معصية ، فإنه ألقى نفسه بيده إلى التهلكة ، وليس معنى التوكل التباعد عن الأسباب بالكلية ، وإلا لوجب أن يصبر حتى يسخر الله له ملكا أو شخصا آخر حتى يصب الماء في فيه . 
وأما زاد الآخرة فهو العلم الذي يحتاج إليه في طهارته وصومه وصلاته وعباداته ، وذلك أن السفر يفيد في الطهارة رخصتين مسح الخفين والتيمم ، وفي صلاة الفرض رخصتين القصر والجمع ، وفي النفل رخصتين أداءه على الراحلة وأداءه ماشيا ، وفي الصوم رخصة واحدة وهي الفطر . 
فأما المسح على الخفين : فقال "  صفوان بن عسال     " : " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن   " . فكل من لبس الخف على طهارة مبيحة للصلاة ثم أحدث فله أن يمسح على خفه من وقت حدثه ثلاثة أيام ولياليهن إن كان مسافرا ، أو يوما وليلة إن كان مقيما    . 
وأما التيمم : فالتراب بدل عن الماء عند العذر  كبعده عن منزله بحيث لو مشى إليه لم يلحقه غوث القافلة إن صاح أو استغاث ، أو نزل على الماء عدو أو سبع ، أو احتاج إليه لعطشه أو عطش أحد رفقائه ، فيتيمم في هذه الصور ، وإن بيع الماء بثمن المثل لزمه الشراء أو بغبن لم يلزمه . 
وأما القصر : فله أن يقتصر في كل واحدة من الظهر والعصر والعشاء على ركعتين ، ولا يصير مسافرا إلا بمفارقة عمران البلد . 
 [ ص: 158 ] وأما الجمع : بين الظهر والعصر في وقتيهما وبين المغرب والعشاء في وقتيهما فذلك أيضا في كل سفر  طويل مباح ، وفي جوازه في السفر القصير قول : ثم إن قدم العصر إلى الظهر فلينو الجمع بين الظهر والعصر في وقتيهما قبل الفراغ من الظهر ، وليؤذن للظهر وليقم ، وعند الفراغ يقيم للعصر ، وإن أخر الظهر إلى العصر فيجري على هذا الترتيب . 
وأما النافلة : فقد جوز أداؤها على الراحلة  كي لا يتعوق عن الرفقة بسببها ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته أينما توجهت به دابته ، وأوتر عليه السلام على الراحلة . وليس على المتنفل الراكب في الركوع والسجود إلا الإيماء . ويجعل سجوده أخفض من ركوعه . 
وأما استقبال القبلة : فلا يجب لا في ابتداء الصلاة ولا في دوامها ، ولكن صوب الطريق بدل عن القبلة ، فليكن في جميع صلاته إما مستقبلا للقبلة أو متوجها في صوب الطريق لتكون له جهة يثبت فيها . وجوز للمسافر أيضا التنفل له ماشيا  ، فيومئ بالركوع والسجود ولا يقعد للتشهد ، وحكمه حكم الراكب ، لكن ينبغي أن يتحرم بالصلاة مستقبلا للقبلة . وكل هارب من عدو أو سيل أو سبع فله أن يصلي الفريضة راكبا أو ماشيا  كما ذكرناه في التنفل . 
وأما الفطر في رمضان للمسافر    : فهو مرخص له ، والصوم أفضل له إلا إن كان يضره فالإفطار له أفضل . 
				
						
						
