الآفة الرابعة عشرة : : الكذب في القول واليمين
وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " " . وعنه : " إياكم والكذب ؛ فإنه مع الفجور ، وهما في النار إن الكذب باب من أبواب النفاق " . وعنه : " " . كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت به كاذب ومر - صلى الله عليه وسلم - برجلين يتبايعان شاة ويتحالفان ، يقول أحدهما : " والله لا أنقصك من كذا وكذا " ، ويقول الآخر : " والله لا أزيدك على كذا وكذا " ، فمر بالشاة وقد اشتراها أحدهما فقال : " أوجب أحدهما بالإثم والكفارة " ، وعنه - صلى الله عليه وسلم قال : " " . وعنه - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم : المنان بعطيته ، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر ، والمسبل إزاره " . من حلف على يمين بإثم ليقتطع بها مال امرئ مسلم بغير حق ، لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان وقال عليه السلام لمعاذ : " أوصيك بتقوى الله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وبذل الطعام ، وخفض الجناح " .
بيان : ما رخص فيه من الكذب
اعلم أن الكذب إنما حرم لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره ، وقد يتعلق به مصلحة ، فيكون مأذونا فيه ، وربما كان واجبا كما إذا كان في الصدق سفك دم امرئ قد اختفى [ ص: 196 ] من ظالم ، فالكذب فيه واجب ، وكما إذا كان لا يتم مقصود الحرب ، أو إصلاح ذات البين ، أو استمالة قلب المجني عليه ، أو تعاشر الزوجين إلا بكذب - فالكذب مباح ، إلا أنه يقتصر فيه على حد الضرورة ؛ لئلا يتجاوز إلى ما يستغنى عنه ، وفي معنى ذلك وردت أحاديث كثيرة ، قال " " : " الكذب كله إثم ، إلا ما نفع به مسلما أو دفع عنه ضررا " . ثوبان
بيان : الحذر من الكذب بالمعاريض
قد نقل عن السلف : " إن في المعاريض مندوحة عن الكذب " . وإنما أرادوا إذا اضطر الإنسان إلى الكذب ، فأما إذا لم تكن حاجة وضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعا ، ولكن التعريض أهون ، ومثال التعريض ما روي أن " مطرفا "دخل على " زياد " ، فاستبطأه ، فتعلل بمرض وقال : " ما رفعت جنبي مذ فارقت الأمير إلا ما رفعني الله " ، وكان " " عاملا " معاذ بن جبل لعمر " رضي الله عنه ، فلما رجع قالت له امرأته : " ما جئت به مما يأتي به العمال إلى أهلهم ؟ "- وما كان قد أتاها بشيء - فقال : " كان عندي ضاغط " قالت : " كنت أمينا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، فبعث " عمر " معك ضاغطا ؟! "وقامت بذلك بين نسائها ، واشتكت " عمر " ، فلما بلغه ذلك دعا " معاذا " وقال : "بعثت معك ضاغطا ؟ " قال : " ما أجد ما أعتذر به إليها إلا ذلك " فضحك " عمر " وأعطاه شيئا فقال : " أرضها به " . ومعنى قوله : ضاغطا : رقيبا ، وأراد به الله تعالى .
وكان " " إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار قال للجارية : " قولي له : اطلبه في المسجد ، ولا تقولي : ليس هاهنا ؛ كيلا يكون كذبا " . النخعي
قصد تطييب قلب الغير بالمزاح ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ومما تباح به المعاريض " ، وقوله للأخرى : " لا يدخل الجنة عجوز الذي في عينه بياض " ، وللأخرى : " نحملك على ولد البعير " - كما تقدم .
ومما يتسامح به ما جرت به العادة في المبالغة كقوله : قلت لك كذا مائة مرة ، فإنه لا يريد به تفهيم المرات بعددها ، بل تفهيم المبالغة ، إلا أنه إذا لم يكن قال ذلك إلا مرة واحدة كان كذبا .
وأما مثل أن يقال : كل الطعام ، فيقول : لا أشتهيه ، فذلك منهي عنه ، وهو حرام إن لم يكن في غرض صحيح . ومثل ذلك أن يقول : " يعلم الله " فيما لا يعلمه . ما يعتاد التساهل به في الكذب
[ ص: 197 ] وأما فالإثم فيه عظيم ، وفي الحديث : " الكذب في حكاية المنام " . إن من أعظم الفرية أن يدعي الرجل إلى غير أبيه ، أو يري عينيه في المنام ما لم ير ، أو يقول علي ما لم أقل