اعلم أن المال إن كان مفقودا فينبغي أن يكون حال العبد القناعة وقلة الحرص ، وإن كان موجودا فينبغي أن يكون حاله الإيثار ، والسخاء ، واصطناع المعروف ، والتباعد عن الشح والبخل ، فإن السخاء من أخلاق الأنبياء - عليهم السلام - وهو أصل من أصول النجاة ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه أحاديث كثيرة منها : " فضيلة السخاء خلقان يحبهما الله تعالى : حسن الخلق والسخاء ، وخلقان يبغضهما : سوء الخلق والبخل ، وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله في قضاء حوائج الناس " .
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : " " . إن من موجبات المغفرة : بذل الطعام ، وإفشاء السلام ، وحسن الكلام
وقال " أنس " : " محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة " . إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه ، وأتاه رجل فسأله ، فأمر له [ ص: 223 ] بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة ، فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلموا ؛ فإن
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " " . إن السخي قريب من الله ، قريب من الناس ، قريب من الجنة ، بعيد من النار ، وإن البخيل بعيد من الله ، بعيد من الناس ، بعيد من الجنة ، قريب من النار ، وجاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل ، وأدوأ الداء البخل
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " " . كل معروف صدقة ، وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة ، وما وقى به الرجل عرضه فهو له صدقة ، وما أنفق الرجل من نفقة فعلى الله خلفها
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " " . كل معروف صدقة ، والدال على الخير كفاعله ، والله يحب إغاثة اللهفان
وعن " الحسن بن علي " : " الكرم هو التبرع بالمعروف قبل السؤال ، والإطعام في المحل ، والرأفة بالسائل ، مع بذل النائل " .
وعن " عبد الله بن جعفر " : " أمطر المعروف مطرا ، فإن أصاب الكرام كانوا له أهلا ، وإن أصاب اللئام كنت له أهلا " .
ومن سخاء السلف ما حكي أن " ابن عامر " اشترى دارا بتسعين ألف درهم ، فلما كان الليل سمع بكاء أهلها ، فسأل ، فقيل : " يبكون لدارهم " . فقال : " يا غلام ، إيتهم فأعلمهم أن المال والدار لهم جميعا " .
وكان " " لا يتكلم كل يوم حتى يتصدق على ثلاثمائة وستين مسكينا . الليث بن سعد
وعن " " أن " أسماء بن خارجة عبد الملك "سأله عن خصال حدث بها عنه ، فأجابه أسماء : " ما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط ، ولا صنعت طعاما قط فدعوت عليه قوما إلا وكانوا أمن علي مني عليهم ، ولا نصب لي رجل وجهه قط يسألني شيئا فاستكثرت شيئا أعطيته إياه " .
وعن " " أن " الشافعي " انقطع زره وهو راكب ، فمر على [ ص: 224 ] خياط وأراد النزول ، فبادره الخياط وحلف عليه أن لا ينزل ، وأصلح له زره وهو راكب ، فأخرج له صرة فيها عشرة دنانير وسلمها له ، واعتذر إليه من قلتها . حماد بن أبي سليمان
قال " " : " لا أزال أحب الشافعي حمادا لما بلغني عنه " ، وأنشد لنفسه : الشافعي
يا لهف قلبي على مال أجود به على المقلين من أهل المروءات إن اعتذاري إلى من جاء يسألني
ما ليس عندي من إحدى المصيبات
وعن " الربيع بن سليمان " قال : " أخذ رجل بركاب رحمه الله ، فقال : يا الشافعي ربيع ، أعطه أربعة دنانير واعتذر إليه عني " .
وقام رجل إلى " " فسأله ، فأمر له بمائة ألف درهم ، فبكى ، فقال له " سعيد بن العاص سعيد " : " ما يبكيك ؟ قال : أبكي على الأرض أن تأكل مثلك ، فأمر له بمائة ألف أخرى " .
وروي أن عليا كرم الله وجهه بكى ، فقيل : " ما يبكيك " ؟ فقال : " لم يأتني ضيف منذ سبعة أيام ، أخاف أن يكون الله قد أهانني " .
وروي أن رجلا أتى صديقا له ، فدق عليه الباب ، فقال : " ما جاء بك " ؟ قال : " علي أربعمائة درهم دين " ، فوزن أربعمائة درهم وأخرجها إليه وعاد يبكي ، فسألته امرأته ، فقال : " أبكي لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج إلى مفاتحتي " .
فرحم الله من هذه أخلاقهم وغفر لهم .