بيان وجه : العلاج لحب المدح وكراهة الذم
اعلم أن أكثر الخلق إنما هلكوا بخوف مذمة الناس وحب مدحهم فصارت حركاتهم كلها موقوفة على ما يوافق رضا الناس رجاء للمدح وخوفا من الذم ، وذلك من المهلكات فيجب معالجته . وطريقه ملاحظة الأسباب التي لأجلها يحب المدح ويكره الذم : فمن الأسباب استشعار الكمال بسبب قول المادح .
فطريقك فيه أن ترجع إلى عقلك وتقول لنفسك : هذه الصفة التي يمدحك بها أنت متصف بها أم لا ، فإن كنت متصفا بها فإن كانت كالثروة والجاه فهذه لا تستحق المدح ، فالفرح بها كالفرح بنبات الأرض الذي يصير على القرب هشيما تذروه الرياح ، وهذا من قلة العقل ، وإن كانت كالعلم والورع فهذه وإن استحقت المدح إلا أنه لا ينبغي الفرح بها ; لأن الخاتمة غير معلومة ، وإن كانت الصفة التي مدحت بها أنت خال عنها ففرحك بالمدح غاية الجنون .
ومن الأسباب الحشمة التي اضطرت المادح إلى المدح ، وهو أيضا يرجع إلى قدرة عارضة لا ثبات لها ، ولا تستحق الفرح ، بل ينبغي أن يغمك مدح المادح وتكرهه وتغضب به كما نقل ذلك عن السلف ; لأن آفات المدح على الممدوح عظيمة كما تقدم في آفات اللسان ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم مرة للمادح ، " " . ويحك قصمت ظهره