nindex.php?page=treesubj&link=18674بيان ما به التكبر :
اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه ، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال ، وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي ، فالديني هو العلم والعمل ، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار ، فهذه سبعة أسباب :
[ ص: 245 ] الأول : العلم ، وما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن
nindex.php?page=treesubj&link=18675يستشعر في نفسه كمال العلم فيستعظم نفسه ويستحقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم .
وقد يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه ، ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم ، وسبب كبره بالعلم أمران :
أحدهما : أن يكون اشتغاله بما يسمى علما وليس علما في الحقيقة ، فإن العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه ونفسه وخطر أمره في لقاء الله والحجاب منه ، وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] .
ثانيهما : أن يخوض في العلم ، وهو خبيث الدخلة رديء النفس سيئ الأخلاق ، فإنه لم يشتغل أولا بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات فبقي خبيث الجوهر ، فإذا خاض في العلم صادف العلم من قلبه منزلا خبيثا فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره ، وقد ضرب "
وهب " لهذا مثلا فقال : العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا فتشربه الأشجار بعروقها فتحوله على قدر طعومها فيزداد المر مرارة والحلو حلاوة ، فكذلك العلم يحفظه الرجال فتحوله على قدر هممها وأهوائها ، فيزيد المتكبر كبرا والمتواضع تواضعا ، وهذا ; لأن من كانت همته الكبر هو جاهل فإذا حفظ العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا ، وإذا كان الرجل خائفا مع علمه فازداد علما علم أن الحجة قد تأكدت عليه فيزداد خوفا .
الثاني العمل والعبادة : وليس يخلو عن رذيلة الكبر واستمالة قلوب الناس العباد فيترشح منهم الكبر في الدين والدنيا ، أما في الدنيا فهو أنهم يتوقعون ذكرهم بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس ، وكأنهم يرون عبادتهم منة على الخلق ، وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين ويرى نفسه ناجيا ، وهو الهالك تحقيقا مهما رأى ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004629 " إذا سمعتم الرجل يقول : هلك الناس فهو أهلكهم " وإنما قال ذلك ; لأن هذا القول منه يدل على أنه مزدر بخلق الله مغتر آمن من مكره غير خائف من سطوته ، وكيف لا يخاف ويكفيه شرا احتقاره لغيره ، قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004630 " كفى بالمرء شرا أن يحقر أخاه المسلم " .
وكثير من العباد إذا استخف به مستخف أو آذاه مؤذ استبعد أن يغفر الله له ، ولا يشك في أنه صار ممقوتا عند الله ، وذلك لعظم قدر نفسه عنده ، وهو جهل وجمع بين الكبر والعجب والاغترار بالله .
وقد ينتهي الحمق والغباوة ببعضهم إلى أن يتحدى ويقول : " سترون ما يجري عليه " ، وإذا أصيب بنكبة زعم أن ذلك من كراماته ، وأن الله ما أراد إلا الانتقام له مع أنه يرى طبقات من الكفار يسبون الله ورسوله ، وعرف جماعة آذوا الأنبياء صلوات الله عليهم فمنهم من قتلهم ، ومنهم من ضربهم ، ثم إن الله أمهل أكثرهم ، ولا يعاقبهم في الدنيا ، بل ربما أسلم بعضهم فلم يصبه مكروه في الدنيا ، ولا في الآخرة : أفيظن
[ ص: 246 ] هذا الجاهل المغرور أنه أكرم على الله من أنبيائه ، وأنه قد انتقم له بما لم ينتقم لأنبيائه به ، ولعله في مقت الله بإعجابه وكبره ، وهو غافل عن هلاك نفسه ، فهذه عقيدة المغترين ، وأما الأكياس من العباد فيقولون ما كان يقوله السلف بعد انصرافه من
عرفات : " كنت أرجو الرحمة لجميعهم لولا كوني فيهم " فانظر إلى الفرق بين الرجلين : هذا يتقي الله ظاهرا وباطنا ، وهو وجل على نفسه مزدر لعمله ، وذاك يضمر من الرياء والكبر والغل ما هو ضحكة للشيطان به ، ثم إنه يمتن على الله بعمله .
ومن
nindex.php?page=treesubj&link=18683_18676_18682آثار الكبر في العابد أن يعبس وجهه كأنه متنزه عن الناس مستقذر لهم ، وليس يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب ، ولا في الرقبة حتى تطأطأ ، ولا في الذيل حتى يضم ، إنما الورع في القلوب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004631التقوى هاهنا " وأشار إلى صدره ، فقد كان صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق وأتقاهم ، وكان أوسعهم خلقا وأكثرهم بشرا وتبسما وانبساطا كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) [ الشعراء : 215 ] .
الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=18680التكبر بالحسب والنسب ، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملا وعلما ، وقد يتكبر بعضهم فيأنف من مخالطة الناس ومجالستهم ، وقد يجري على لسانه التفاخر به فيقول لغيره : من أنت ومن أبوك فأنا فلان ابن فلان ، ومع مثلي تتكلم! .
وقد روي
أن " أبا ذر " رضي الله عنه قال : " قاولت رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : يا ابن السوداء ، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال : " يا أبا ذر ، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل " فقال " أبو ذر " : فاضطجعت وقلت للرجل : قم فطأ على خدي " .
فانظر كيف نبهه صلى الله عليه وسلم على أن ذلك جهل ، وانظر كيف تاب وقلع من نفسه شجرة الكبر إذ عرف أن العز لا يقمعه إلا الذل .
الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=18677التفاخر بالجمال ، وذلك أكثر ما يجري بين النساء ويدعو ذلك إلى التنقص والثلب والغيبة وذكر عيوب الناس .
الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=18679الكبر بالمال وذلك يجري بين الأمراء والتجار في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيستحقر الغني الفقير ويتكبر عليه ، وكل ذلك جهل بفضيلة الفقر وآفة الغنى .
السادس :
nindex.php?page=treesubj&link=18678الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف .
السابع :
nindex.php?page=treesubj&link=18681التكبر بالأتباع والأنصار والعشيرة والأقارب .
فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض .
نسأله تعالى العون بلطفه ورحمته .
nindex.php?page=treesubj&link=18674بَيَانُ مَا بِهِ التَّكَبُّرُ :
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَبَّرُ إِلَّا مَنِ اسْتَعْظَمَ نَفْسَهُ ، وَلَا يَسْتَعْظِمُهَا إِلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ لَهَا صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَجِمَاعُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى كَمَالٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ ، فَالدِّينِيُّ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ ، وَالدُّنْيَوِيُّ هُوَ النَّسَبُ وَالْجَمَالُ وَالْقُوَّةُ وَالْمَالُ وَكَثْرَةُ الْأَنْصَارِ ، فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ :
[ ص: 245 ] الْأَوَّلُ : الْعِلْمُ ، وَمَا أَسْرَعَ الْكِبْرَ إِلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18675يَسْتَشْعِرَ فِي نَفْسِهِ كَمَالَ الْعِلْمِ فَيَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَسْتَحْقِرَ النَّاسَ وَيَسْتَجْهِلَهُمْ وَيَسْتَخْدِمَ مَنْ خَالَطَهُ مِنْهُمْ .
وَقَدْ يَرَى نَفْسَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْلَى وَأَفْضَلَ مِنْهُمْ فَيَخَافُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْجُو لَهُمْ ، وَسَبَبُ كِبْرِهِ بِالْعِلْمِ أَمْرَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُسَمَّى عِلْمًا وَلَيْسَ عِلْمًا فِي الْحَقِيقَةِ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَنَفْسَهُ وَخَطَرَ أَمْرِهِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَالْحِجَابِ مِنْهُ ، وَهَذَا يُورِثُ الْخَشْيَةَ وَالتَّوَاضُعَ دُونَ الْكِبْرِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [ فَاطِرٍ : 28 ] .
ثَانِيهِمَا : أَنْ يَخُوضَ فِي الْعِلْمِ ، وَهُوَ خَبِيثُ الدُّخْلَةِ رَدِيءُ النَّفْسِ سَيِّئُ الْأَخْلَاقِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ أَوَّلًا بِتَهْذِيبِ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَةِ قَلْبِهِ بِأَنْوَاعِ الْمُجَاهَدَاتِ فَبَقِيَ خَبِيثَ الْجَوْهَرِ ، فَإِذَا خَاضَ فِي الْعِلْمِ صَادَفَ الْعِلْمُ مِنْ قَلْبِهِ مَنْزِلًا خَبِيثًا فَلَمْ يَطِبْ ثَمَرُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْخَيْرِ أَثَرُهُ ، وَقَدْ ضَرَبَ "
وهب " لِهَذَا مَثَلًا فَقَالَ : الْعِلْمُ كَالْغَيْثِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ حُلْوًا صَافِيًا فَتَشْرَبُهُ الْأَشْجَارُ بِعُرُوقِهَا فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ طَعُومِهَا فَيَزْدَادُ الْمُرُّ مَرَارَةً وَالْحُلْوُ حَلَاوَةً ، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ يَحْفَظُهُ الرِّجَالُ فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ هِمَمِهَا وَأَهْوَائِهَا ، فَيَزِيدُ الْمُتَكَبِّرَ كِبْرًا وَالْمُتَوَاضِعَ تَوَاضُعًا ، وَهَذَا ; لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْكِبْرَ هُوَ جَاهِلٌ فَإِذَا حَفِظَ الْعِلْمَ وَجَدَ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ فَازْدَادَ كِبْرًا ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَائِفًا مَعَ عِلْمِهِ فَازْدَادَ عِلْمًا عَلِمَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ تَأَكَّدَتْ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ خَوْفًا .
الثَّانِي الْعَمَلُ وَالْعِبَادَةُ : وَلَيْسَ يَخْلُو عَنْ رَذِيلَةِ الْكِبْرِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ النَّاسِ الْعُبَّادِ فَيَتَرَشَّحُ مِنْهُمُ الْكِبْرُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَوَقَّعُونَ ذِكْرَهُمْ بِالْوَرَعِ وَالتَّقْوَى وَتَقْدِيمَهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ ، وَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ عِبَادَتَهُمْ مِنَّةً عَلَى الْخَلْقِ ، وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنْ يَرَى النَّاسَ هَالِكِينَ وَيَرَى نَفْسَهُ نَاجِيًا ، وَهُوَ الْهَالِكُ تَحْقِيقًا مَهْمَا رَأَى ذَلِكَ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004629 " إِذَا سَمِعْتُمُ الرَّجُلَ يَقُولُ : هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ " وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُزْدَرٍ بِخَلْقِ اللَّهِ مُغْتَرٌّ آمِنٌ مِنْ مَكْرِهِ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ سَطْوَتِهِ ، وَكَيْفَ لَا يَخَافُ وَيَكْفِيهِ شَرًّا احْتِقَارُهُ لِغَيْرِهِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004630 " كَفَى بِالْمَرْءِ شَرًّا أَنْ يُحَقِّرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ " .
وَكَثِيرٌ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا اسْتَخَفَّ بِهِ مُسْتَخِفٌّ أَوْ آذَاهُ مُؤْذٍ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ ، وَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ صَارَ مَمْقُوتًا عِنْدَ اللَّهِ ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ ، وَهُوَ جَهْلٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالِاغْتِرَارِ بِاللَّهِ .
وَقَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى أَنْ يَتَحَدَّى وَيَقُولَ : " سَتَرَوْنَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ " ، وَإِذَا أُصِيبَ بِنَكْبَةٍ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ ، وَأَنَّ اللَّهَ مَا أَرَادَ إِلَّا الِانْتِقَامَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ يَرَى طَبَقَاتٍ مِنَ الْكُفَّارِ يَسُبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَعُرِفَ جَمَاعَةٌ آذَوُا الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُمْ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَمْهَلَ أَكْثَرَهُمْ ، وَلَا يُعَاقِبُهُمْ فِي الدُّنْيَا ، بَلْ رُبَّمَا أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يُصِبْهُ مَكْرُوهٌ فِي الدُّنْيَا ، وَلَا فِي الْآخِرَةِ : أَفَيَظُنُّ
[ ص: 246 ] هَذَا الْجَاهِلُ الْمَغْرُورُ أَنَّهُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ ، وَأَنَّهُ قَدِ انْتَقَمَ لَهُ بِمَا لَمْ يَنْتَقِمْ لِأَنْبِيَائِهِ بِهِ ، وَلَعَلَّهُ فِي مَقْتِ اللَّهِ بِإِعْجَابِهِ وَكِبْرِهِ ، وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ هَلَاكِ نَفْسِهِ ، فَهَذِهِ عَقِيدَةُ الْمُغْتَرِّينَ ، وَأَمَّا الْأَكْيَاسُ مِنَ الْعِبَادِ فَيَقُولُونَ مَا كَانَ يَقُولُهُ السَّلَفُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ
عَرَفَاتٍ : " كُنْتُ أَرْجُو الرَّحْمَةَ لِجَمِيعِهِمْ لَوْلَا كَوْنِي فِيهِمْ " فَانْظُرْ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ : هَذَا يَتَّقِي اللَّهَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَهُوَ وَجِلٌ عَلَى نَفْسِهِ مُزْدَرٍ لِعَمَلِهِ ، وَذَاكَ يُضْمِرُ مِنَ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ وَالْغِلِّ مَا هُوَ ضُحَكَةٌ لِلشَّيْطَانِ بِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ يَمْتَنُّ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِهِ .
وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18683_18676_18682آثَارِ الْكِبْرِ فِي الْعَابِدِ أَنْ يَعْبَسَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ مُتَنَزِّهٌ عَنِ النَّاسِ مُسْتَقْذِرٌ لَهُمْ ، وَلَيْسَ يَعْلَمُ الْمِسْكِينُ أَنَّ الْوَرَعَ لَيْسَ فِي الْجَبْهَةِ حَتَّى تُقْطَبَ ، وَلَا فِي الرَّقَبَةِ حَتَّى تُطَأْطَأَ ، وَلَا فِي الذَّيْلِ حَتَّى يُضَمَّ ، إِنَّمَا الْوَرَعُ فِي الْقُلُوبِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004631التَّقْوَى هَاهُنَا " وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ ، فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرَمَ الْخَلْقِ وَأَتْقَاهُمْ ، وَكَانَ أَوْسَعَهُمْ خُلُقًا وَأَكْثَرَهُمْ بِشْرًا وَتَبَسُّمًا وَانْبِسَاطًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=215وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 215 ] .
الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18680التَّكَبُّرُ بِالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ ، فَالَّذِي لَهُ نَسَبٌ شَرِيفٌ يَسْتَحْقِرُ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْهُ عَمَلًا وَعِلْمًا ، وَقَدْ يَتَكَبَّرُ بَعْضُهُمْ فَيَأْنَفُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَمُجَالَسَتِهِمْ ، وَقَدْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ التَّفَاخُرُ بِهِ فَيَقُولُ لِغَيْرِهِ : مَنْ أَنْتَ وَمَنْ أَبُوكَ فَأَنَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ ، وَمَعَ مِثْلِي تَتَكَلَّمُ! .
وَقَدْ رُوِيَ
أَنَّ " أبا ذر " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " قَاوَلْتُ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ : يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ ، فَغَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : " يَا أبا ذر ، لَيْسَ لِابْنِ الْبَيْضَاءِ عَلَى ابْنِ السَّوْدَاءِ فَضْلٌ " فَقَالَ " أبو ذر " : فَاضْطَجَعْتُ وَقُلْتُ لِلرَّجُلِ : قُمْ فَطَأْ عَلَى خَدِّي " .
فَانْظُرْ كَيْفَ نَبَّهَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ ، وَانْظُرْ كَيْفَ تَابَ وَقَلَعَ مِنْ نَفْسِهِ شَجَرَةَ الْكِبْرِ إِذْ عَرَفَ أَنَّ الْعِزَّ لَا يَقْمَعُهُ إِلَّا الذُّلُّ .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18677التَّفَاخُرُ بِالْجَمَالِ ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَيَدْعُو ذَلِكَ إِلَى التَّنَقُّصِ وَالثَّلْبِ وَالْغِيبَةِ وَذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ .
الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18679الْكِبْرُ بِالْمَالِ وَذَلِكَ يَجْرِي بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالتُّجَّارِ فِي لِبَاسِهِمْ وَخُيُولِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ فَيَسْتَحْقِرُ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَهْلٌ بِفَضِيلَةِ الْفَقْرِ وَآفَةِ الْغِنَى .
السَّادِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18678الْكِبْرُ بِالْقُوَّةِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ وَالتَّكَبُّرِ بِهِ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ .
السَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18681التَّكَبُّرُ بِالْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْأَقَارِبِ .
فَهَذِهِ مَجَامِعُ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ .
نَسْأَلُهُ تَعَالَى الْعَوْنَ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ .