بيان على الجملة : علاج العجب
اعلم أن علاج كل علة هو مقابلة سببها بضده ، وعلة العجب الجهل المحض ، فعلاجه المعرفة المضادة لذلك الجهل ، وذلك أن المعجب بجماله أو قوته أو نسبه وما لا يدخل تحت اختياره إنما يعجب بما ليس إليه ; لأن كل ذلك من فضل الله ، وإنما هو محل لفيضان جوده تعالى ، فله الشكر والمنة لا لك إذ أفاض على عبده ما لا يستحق ، وآثره به على غيره من غير سابقة ووسيلة ، فإذن منشأ العجب بذلك هو الجهل ، وإزالة ذلك بالعلم المحقق بأن العبد وعمله وأوصافه كلها من عند الله تعالى نعمة ابتدأه بها قبل الاستحقاق ، وهذا ينفي العجب والإدلال ، ويورث الخضوع والشكر والخوف من زوال النعمة ، قال الله تعالى : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ) [ النور : 21 ] .
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، وهو خير الناس : " ومهما غلب الخوف على القلب شغله خشية سلب هذه النعمة عن الإعجاب بها ، وأنى لذي بصيرة أن يعجب بعمله ، ولا يخاف على نفسه . فإذن هذا هو العلاج القامع لمادة العجب من القلب . ما منكم من أحد ينجيه عمله " قالوا : "ولا أنت يا رسول الله " ، قال : "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته "