دواء الصبر وما يستعان به عليه
اعلم أن الذي أنزل الداء أنزل الدواء ووعد الشفاء ، فالصبر وإن كان شاقا أو ممتنعا فتحصيله ممكن بمعجون العلم والعمل ، وقد قدمنا أن الصبر عبارة عن مصارعة باعث الدين مع باعث الهوى ، وكل مصارعين أردنا أن يغلب أحدهما الآخر فلا طريق لنا فيه إلا تقوية من أردنا أن تكون له اليد العليا وتضعيف الآخر ، فلزمنا ههنا تقوية باعث الدين وتضعيف باعث الشهوة ، فأما تقوية باعث الدين فإنما تكون بطريقين : [ ص: 285 ] أحدهما : إطماعه في فوائد المجاهدة وثمراتها في الدين والدنيا ، وذلك بأن يكثر فكره في الأخبار التي أوردناها في فضل الصبر ، وفي حسن عواقبه في الدنيا والآخرة .
الثاني : أن يصارع باعث الهوى بالتدريج إلى أن يقمع تلك الصفات التي رسخت فيه .
وأما تضعيف باعث الشهوة فبقطع الأسباب المهيجة له كغض البصر الذي يحرك القلب ، أو الفرار من الصور المشتهاة بالكلية ، أو تسلية النفس بالمباح من الجنس الذي يشتهيه كالنكاح ، فإن كل ما يشتهيه الطبع ففي المباحات من جنسه ما يغني عن المحظورات منه ، ومن عود نفسه مخالفة الهوى غلبها مهما أراد ، فهذا منهاج العلاج في جميع أنواع الصبر .