[ ص: 59 ] كتاب أسرار الصوم
أعظم الله على عباده المنة بما دفع عنهم كيد الشيطان وخيب ظنه ، إذ جعل الصوم حصنا لأوليائه وجنة ، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم : " " قال تعالى : ( الصوم نصف الصبر إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [ الزمر : 10 ] فقد جاز ثواب الصوم قانون التقدير والحساب ، وناهيك في معرفة فضله قوله صلى الله عليه وسلم : " ، يقول الله عز وجل : " والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " وهو موعود بلقاء الله تعالى في جزاء صومه ، قال صلى الله عليه وسلم : " إنما يذر شهوته وطعامه لأجلي فالصوم لي وأنا الذي أجزي به " . وقيل في قوله تعالى : ( للصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) [ السجدة : 17 ] كان عملهم الصيام لأنه قال : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [ الزمر : 10 ] فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغا ويجازف جزافا ، فلا يدخل تحت وهم وتقدير ، وجدير بأن يكون كذلك لأن الصوم إنما كان له ومشرفا بالنسبة إليه ، وإن كانت العبادات كلها له ، لمعنيين :
أحدهما : أن كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد ، وجميع الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى ، والصوم لا يراه إلا الله عز وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد . الصوم
والثاني : أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان الشهوات وإنما تقوى بالأكل والشرب ، وفي قمع عدو الله نصرة الله سبحانه ، وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له ، قال تعالى : ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [ محمد : 7 ] فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة ; وإذا عظمت فضيلته إلى هذا الحد فلا بد من بيان شروطه الظاهرة والباطنة بذكر أركانه وسننه وشروطه الباطنة .