تحصل ( بالتزام ) أي بسبب التزام ( أهل الإجارة ) أي المتأهل لعقدها ( جعلا ) أي عوضا معمول " التزام " وظاهره أن الشرط قاصر على الجاعل دون المجعول له وليس كذلك أجيب بأنه اكتفى بأحد المتساويين عن الآخر ، أو أنه اقتصر على الجاعل ; لأنه الذي يظهر فيه فائدة الالتزام من لزوم العقد بعد الشروع بخلاف المجعول له فلا يتوجه عليه لزوم قبل ولا بعد بل ولا حصول قبول بدليل أن من ( صحة الجعل ) أي العقد فإنه يستحق الجعل كما يأتي سمع قائلا يقول من يأتيني بعبدي الآبق مثلا فله كذا فأتاه به من غير تواطؤ معه للمصنف قريبا ، وقوله ( علم ) بالبناء للمجهول صفة جعل فلا يصح بمجهول ( يستحقه السامع ) من الجاعل .
[ ص: 61 ] ولو بواسطة إن ثبت أنه قاله ( بالتمام ) للعمل بتمكين ربه منه ، وإلا لم يستحق شيئا ( ككراء السفن ) هذا تشبيه في أنه لا يستحق فيه الأجر إلا بتمام العمل وهو إجارة لا جعالة كما يشعر به التعبير بكراء فإذا فلا كراء لربها قال فيها وأرى أن ذلك على البلاغ أي والتمكن من إخراج ما فيها وسواء وقعت بلفظ إجارة أو جعالة ومثل السفينة غرقت السفينة في أثناء الطريق ، أو في آخرها قبل التمكن من إخراج ما فيها بموات مع علم شدة الأرض وبعد الماء ، أو ضدهما وكذا مشارطة الطبيب على البرء والمعلم على حفظ القرآن ، أو بعضه ، أو صنعة ، والحافر على استخراج الماء أو إتيان بحاجة فهذه الأشياء إجارة لازمة إلا أن لها شبها بالجعالة من حيث إنه لا يستحق الكراء إلا بتمام العمل ، ثم استثني من مفهوم قوله بالتمام أي فإن لم يتم فلا يستحق العامل شيئا قوله ( إلا أن يستأجر ) ربه بعد ترك العامل ، أو يجاعل آخر ( على التمام ) ، أو يتمه بنفسه أو بعبيده ( فبنسبة ) عمل ( الثاني ) أي فيستحق الأول من الأجر بنسبة عمل العامل الثاني سواء عمل الثاني قدر الأول ، أو أقل ، أو أكثر ولو كان هذا الأجر أكثر من الأول ; لأن الجاعل قد انتفع بما عمله له العامل الأول مثاله أن يجعل للأول خمسة على أن يحمل له خشبة إلى مكان معلوم فحملها وتركها أثناء الطريق فجعل لغيره عشرة مثلا على إيصالها للمكان المعلوم فإذا كان الأول بلغها النصف فله عشرة أيضا ; لأنه الذي ينوب فعل الأول من عمل الثاني ; لأن الثاني لما استؤجر من نصف الطريق [ ص: 62 ] علم أن أجرة الطريق عشرون انظر الشراح ، ثم إن الاستثناء يرجع لما قبل الكاف فقط كما يفيده كلامه في التوضيح ولا يرجع لما بعدها وعليه فمن إرسال رسول لبلد لتبليغ خبر فإن للأول كراء ما بقي إلى محل الغرق على حساب الكراء الأول لا بنسبة الثاني وليس له كراء ما ذهب بالغرق وأما لو خرج منها اختيارا لكان عليه جميع الكراء لأنه عقد لازم لهما كمن استأجر سفينة لحمل كقمح فغرقت أثناء الطريق وذهب بعض القمح وبقي البعض فاستأجر ربه على ما بقي وكذا يلزمه جميع الكراء لو فرط في نقل متاعه بعد بلوغ الغاية حتى غرق وقوله ( إن استحق ولو بحرية ) مبالغة في قوله يستحقه السامع بقطع النظر عن قوله بالتمام أي أن من أتى بالعبد الآبق فاستحقه شخص أو استحق بحرية فإنه يستحق الجعل على الجاعل ولو لم يقبضه لأنه ورطه في العمل ولولا الاستحقاق لقبضه واستولى عليه ولا يرجع الجاعل بالجعل على المستحق عند اكترى دابة لمحل وتركها في الأثناء بلا عذر ابن القاسم وهو المشهور ( بخلاف موته ) أي الآبق قبل تسليمه لربه فلا شيء للعامل ( بلا تقدير زمن ) متعلق بصحة على حذف مضاف أي صحة الجعل بشرط عدم تقدير أي تعيين زمن سواء شرط عدمه ، أو سكت عنه فإن شرط تقديره منع ( إلا بشرط ترك متى شاء ) أي إلا أن يشترط على العامل [ ص: 63 ] أن له ترك العمل متى شاء فيجوز حينئذ لأنه رجع حينئذ لأصله وسنته من كون الزمان ملغى ، وإنما ضر تقدير الزمن ; لأن العامل لا يستحق الجعل إلا بتمام العمل فقد ينقضي الزمن قبل التمام فيذهب عمله باطلا ففيه زيادة غرر ، وإخراج له عن سنته ، ومثل شرط الترك متى شاء إذا جعل له الجعل بتمام الزمن تم العمل أم لا فيجوز إلا أنه قد خرج حينئذ من الجعالة إلى الإجارة ( ولا نقد مشترط ) بالجر عطف على بلا تقدير زمن أي وبلا نقد مشترط والأولى أن يقول وبلا شرط نقد فإن شرط النقد مضر ولو لم يحصل نقد بالفعل لتردد المنقود بشرط بين السلفية والثمنية ولا يضر النقد تطوعا والجعل يصح ( في كل ما جاز فيه عقد الإجارة ) أي فليس كل ما جاز فيه الجعالة جاز فيه الإجارة فالجعالة أعم باعتبار المتعلق ، وإلا فهما عقدان متباينان وهذا سهو من كل ما جاز فيه عقد الإجارة جاز فيه الجعالة ( بلا عكس ) المصنف والذي في المدونة عكس ما قال المصنف فالإجارة أعم والحق أن بينهما العموم والخصوص الوجهي فيجتمعان في نحو بيع ، أو شراء ثوب ، أو أثواب قليلة ، أو حفر بئر بفلاة واقتضاء دين وتنفرد الإجارة في خياطة ثوب وبيع سلع كثيرة وحفر بئر في ملك وسكنى بيت واستخدام عبد ودابة وتنفرد الجعالة فيما جهل حاله ومكانه كآبق ونحوه ، نعم كلام المدونة أقرب للصواب لجواز أن يقال : إن ما جهل مكانه تصح فيه الإجارة [ ص: 64 ] على تقدير العلم وبالغ على صحة الجعل بقوله ( ولو في الكثير ) كعبيد كثيرة أبقت ، أو إبل كثيرة شردت واستثني من الكثير قوله ( إلا ) على ( كبيع ) ، أو شراء ( سلع كثيرة ) من ثياب ، أو رقيق ، أو إبل فلا يجوز الجعل عليها إذا كان ( لا يأخذ شيئا ) من الجعل ( إلا بالجميع ) أي إلا ببيع أو شراء الجميع أي وقع ذلك بشرط ، أو عرف فإن شرط ، أو جرى العرف بأن ما باعه ، أو اشتراه فله بحسابه جاز ; لأن كثرة السلع بمنزلة عقود متعددة يستحق الجعل في كل سلعة بانتهاء عملها ولم يذهب له عمل باطل .