فصل
رعي الغنم لم يكن صفة نقص في الزمن الأول ، لكن حدث العرف بخلافه ، ولا يستنكر ذلك فرب حرفة ، هي نقص في زمان دون زمان ، وفي بلد دون بلد ، ويشهد لذلك كلام الفقهاء في الكفاءة في النكاح ، وفي المروءة في الشهادات ، والمسألة مسطورة [ ص: 283 ] حتى في المنهاج ، ثم إن الخصم لم يخرج هذه الكلمة إلا مخرج الشتم والتنقيص ، حيث قال : وأنت يا راعي المعزى ، صار لك كلام ، ومثل هذا الموطن لا يحتج فيه بأحوال الأنبياء أبدا ، خصوصا بين العوام ، هذا لا يقوله من يعلم أنه يلقى الله تعالى .
وقد تذكرت هنا نكتة لطيفة : قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في الترشيح : كنت يوما في دهليز دارنا في جماعة ، فمر بنا كلب يقطر ماء يكاد يمس ثيابنا فنهرته ، وقلت : يا كلب يا ابن الكلب ، وإذا بالشيخ الإمام - يعني والده الشيخ تقي الدين السبكي - يسمعنا من داخل ، فلما خرج قال : لم شتمته ؟ فقلت : ما قلت إلا حقا أليس هو بكلب ابن كلب ؟ فقال : هو كذلك إلا أنك أخرجت الكلام في مخرج الشتم والإهانة ولا ينبغي ذلك ، فقلت : هذه فائدة - هذا لفظه في الترشيح . لا ينادى مخلوق بصفته إذا لم يخرج مخرج الإهانة