الجواب : إنما حصل الإشكال من ظن أن خيرا هنا أفعل تفضيل ، وليس كذلك ; فإن لفظة خير لها استعمالان : أحدهما أن يراد بها معنى التفضيل لا الأفضلية ، وضدها الشر ، وهي كلمة باقية على أصلها لم يحذف منها شيء ، والثاني أن يراد بها معنى الأفضلية ، وهي التي توصل بمن ، وهذه أصلها أخير ، حذفت همزتها تخفيفا ، ويقابلها شر التي أصلها أشر ، قال في الصحاح : الخير ضد الشر ، قال الشاعر :
فما كنانة في خير مخامرة ولا كنانة في شر بأشرار
[ ص: 451 ] وتأنيث هذه خيرة وجمعها خيرات ، وهي الفاضلات من كل شيء ، قال تعالى : ( فيهن خيرات حسان ) ( وأولئك لهم الخيرات ) ، ولم يريدوا به معنى أفعل ، فلو أردت معنى التفضيل قلت : فلانة خير الناس ، ولم تقل : خيرة ، ولا تثنى ولا تجمع ; لأنه في معنى أفعل . انتهى كلام الصحاح . وقال في مفردات القرآن : الخير والشر يقالان على وجهين : أحدهما أن يكونا اسمين ، كقوله تعالى : ( الراغب ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) الثاني أن يكونا وصفين ، وتقديرهما تقدير أفعل ، من نحو : هذا خير من ذاك وأفضل ، وقوله تعالى : ( نأت بخير منها ) ويحتمل الاسمية والوصفية معا قوله تعالى : [ ( وأن تصوموا خير لكم ) وقال أبو حيان في تفسيره الكبير ، في قوله تعالى : ] ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير ) ليس خير هنا أفعل تفضيل ، بل هي للتفضيل لا للأفضلية ، كما في قوله تعالى : ( أفمن يلقى في النار خير ) و ( خير مستقرا ) وفي قول حسان :فشركما لخيركما الفداء
انتهى .إذا عرف ذلك ، فخير في الحديث من القسم الأول ، وهي يراد بها التفضيل لا الأفضلية ، فلا توصل بمن ، وليست بمعنى أفعل وإنما المقصود أن في كل من حياته ومماته صلى الله عليه وسلم خير ، لا أن هذا خير من هذا ، ولا أن هذا خير من هذا .