[ ص: 115 ]   55 -رفع الصوت بذبح الموت 
بسم الله الرحمن الرحيم 
مسألة : في الحديث : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار يؤتى بالموت في صورة كبش أملح  ، فيوقف بين الجنة والنار ، ويقال للفريقين : أتعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هو الموت ، فيذبح   " . إلى آخره ، ولا يخفى أن الموت عرض وهو لا يقبل الانتقال ، ولا بد له من محل لعدم قيامه بنفسه ، ولا يتألف ولا يتجسد ولا يتصور بصورة الجسم ، وكيف يعرفه الفريقان ولم يشاهداه بهذه الصفة قبل ذلك ؟ وما النكتة في فرح أهل الجنة بذبحه مع علمهم بأنه لا موت في الجنة ، ولا خروج بعد دخولها لما تقدم لهم من أخبار أنبيائهم ، وتلاوة كتبهم ؟ . 
الجواب : اشتمل هذا الكلام على ثلاثة أسئلة : فأما الأول : فإنه إشكال قديم له في الوجود أكثر من أربعمائة سنة ، قال القاضي  أبو بكر بن العربي     : استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل ; لأن الموت عرض ، والعرض لا ينقلب جسما ، فكيف يذبح ؟ فأنكرت طائفة صحة الحديث ودفعته ، وتأولته طائفة ، فقالوا : هذا تمثيل ، ولا ذبح هناك حقيقة . 
وقال  المازري     : الموت عندنا عرض من الأعراض ، وعند المعتزلة  عدم محض ، وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشا ولا جسما ، والمراد بهذا التمثيل والتشبيه ، قال : وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل مثالا ; لأن الموت لا يطرأ على أهل الجنة ، ونقله  النووي  في شرح  مسلم  واقتصر عليه ، وقال  القرطبي  في التذكرة : الموت معنى ، والمعاني لا تنقلب جوهرا ، وإنما يخلق الله أشخاصا من ثواب الأعمال ، وكذا الموت يخلق الله كبشا يسميه الموت ، ويلقى في قلوب الفريقين : أن هذا الموت يكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين ، وقال غيره : لا مانع أن ينشئ الله تعالى من الأعراض أجسادا بجعلها مادة لها ، كما ثبت في صحيح  مسلم  في حديث : " إن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان   " ونحو ذلك من الأحاديث . وقد تلخص مما سقناه من كلام العلماء أربعة أجوبة ، وبقي خامس لم أحب ذكره .
				
						
						
