74- رفع السنة في نصب الزنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تأخذه سنة ، ولا يقدر لعرشه زنة ، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد الذي نزل عليه أفصح الحديث وأحسنه . وبعد سئلت عن وجه النصب في قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006249سبحان الله وبحمده ، زنة عرشه ، ورضا نفسه ، وعدد خلقه ، ومداد كلماته . والجواب عندي أن هذه الكلمات الأربع منصوبات على تقدير الظرف ، والتقدير : قدر زنة عرشه ، وكذا
البواقي ، فلما حذف الظرف قام المضاف إليه مقامه في إعرابه ، فهذا الإعراب هو المتجه المطرد السالم من الانتقاض ، وقد ذكر السائل أنه هل يصح أن يكون منصوبا على المصدر أو على الحال أو على حذف الخافض ؟
وأقول : أما النصب على المصدر فقد ذكره
المظهري في " شرح المصابيح " قال : " عدد خلقه " منصوب على المصدر ، أي أعد تسبيحه وتحميده بعدد خلقه وبمقدار ما ترضاه خالصا ، وبثقل عرشه ومقداره وبمقدار كلماته ، وسبقه إلى ذلك
الأشرقي في شرحه قال : " عدد خلقه " وكذلك ما بعده منصوب على المصدر ، أي سبحته تسبيحا يساوي خلقه عند التعداد ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته في المقدار يوجب رضا نفسه انتهى . فإن أراد بذلك أن " نفسه " مصدر وأنه منصوب على أنه مفعول مطلق فلا يخفى ما فيه ، فإنه لا يكون مصدرا للتسبيح كما هو واضح ، بل يكون مصدرا لفعل من الزنة ، ويكون التقدير : سبحان الله أزنه زنة عرشه ، ولا يخفى فساد هذا التقدير ; لأنه ليس المراد إنشاء وزن التسبيح ، بل المراد إنشاء قول التسبيح ، والمعنى : أقول سبحان الله قولا كثيرا مقدار زنة عرشه في الكثرة والعظم ، وعلى تقدير فعل الزنة يكون المعنى : أزن التسبيح زنة عرشه ، وهو ظاهر الفساد ، ثم إذا قدر في الأخرى أعده عدد خلقه- كما أفصح به
المظهري - أدى إلى أن المعنى إنشاء عد التسبيح ، وليس مرادا ، بل المراد : أقوله قولا عدد خلقه ، ثم لا يمكنه ذلك في رضا نفسه .
فإن قيل : يقدر : أرضيه رضا نفسه قلنا : حينئذ يعود الضمير على غير التسبيح ، وهي في " أزنه " " وأعده " عائد على التسبيح ، فيختل التناسق في الكلمات ، ثم لا يمكن ذلك في
[ ص: 344 ] " مداد كلماته " بلا مرية ، ويبقى على [ كلام ]
المظهري تعقبان ; أحدهما : أن عددا لو كان مصدرا لم يجئ بالفك ; لأن مصدر عد على فعل بسكون العين ، فيجب أن يدغم فيقال : عد ، بالتشديد ، كرد ومد وشد ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=84إنما نعد لهم عدا ) والثاني أنه قال : منصوب على المصدر ، ثم قال : أي أعد تسبيحه بعدد خلقه ، فأدخل عليه الباء ، وليس هذا شأن المصدر الذي هو مفعول مطلق ، لا يقال : ضربت زيدا ، يضرب في موضع ضربته ضربا ، ثم قال : وبمقدار ما يرضاه ، وبثقل عرشه ، ومقداره وبمقدار كلماته ، وهذا كله يبطل القول بأنه منصوب على المصدر ، ويؤول إلى نزع الخافض أو الظرفية ، فإن النصب على الظرفية ونزع الخافض متقاربان ، فإن الظرف منصوب على إسقاط الخافض الذي هو " في " غير أنه باب مطرد ، والنصب بنزع الخافض في غير الظرف غير مطرد ، فاتجه بذلك أنه منصوب على الظرف بتقدير " قدر " ، وقد صرح بذلك
الخطابي في " معالم السنن " . [ فقال ] قوله : " ومداد كلماته " ، أي قدر ما يوازنها في العدد والكثرة . وقال
ابن الأثير في " النهاية " : " ومداد كلماته " أي مثل عددها ، وقيل : قدر ما يوازنها في الكثرة عيار كيل أو وزن أو ما أشبهه ، وهذا تمثيل يراد به التقريب ، انتهى . فأشار بقوله : " مثل " إلى المصدر أو الوصف ، وبقوله : " وقيل : قدر " إلى الظرف . وقال الشيخ
أكمل الدين في " شرح المشارق " : قوله : " عدد خلقه " أي عددا كعدد خلقه ، " وزنة عرشه " ، أي بمقدار وزنه ، ورضا نفسه أي غير منقطع ، فأشار إلى أن لكل واحدة إعرابا على حدة : الأولى مصدر ، والثانية ظرف ، والثالثة حال ، ولا شك أن تساوي الكل في الإعراب حيث أمكن أولى ، وتقدير " قدر " في كل منهما صحيح ، فاتجه نصب الكل على الظرف بتقدير " قدر " . فإن قيل : لم يصرح أحد بأن " قدر " انتصب على الظرف ، قلت : ذلك لعدم اطلاعك في أمهات الكتب ، وقد صرح
nindex.php?page=showalam&ids=13938الخطيب التبريزي والمرزوقي كلاهما في " شرح الحماسة " في قول الشاعر :
فسايرته مقدار ميل وليتني
. وفي قوله :
هل الوجد إلا أن قلبي لو دنا من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر
بأن نصب " مقدار " و " قيد " كلاهما على الظرف ، وقيد بمعنى قدر . قال
ابن شمعون في شرح الإيضاح في قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
ما زال مذ عقدت يداه إزاره فسما فأدرك خمسة الأشبار
[ ص: 345 ] يجوز نصب خمسة الأشبار نصب الظرف بسما بتقدير مضاف ، أي : سما مقدار خمسة الأشبار . وقال جماعة في حديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006250أن موسى سأل ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر " - : إن " رمية " نصب على الظرف بتقدير " قدر " أي قدر رمية بحجر . وقال
الطيبي في " شرح المشكاة " في حديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006251فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا " : قوله : " سبعين " مفعول مطلق أو ظرف ، أي تفضل مقدار سبعين . وقال
أبو البقاء في حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006252من فارق الجماعة شبرا " : هو منصوب على الظرف ، والتقدير : قدر شبر . وقال
الطيبي في حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006253من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا ، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا " : شبرا وذراعا وباعا في الشرط والجزاء منصوبان على الظرفية ، أي من تقرب إلي مقدار شبر ، وقال أيضا في حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006254من ظلم شبرا من أرض " : المفعول به محذوف ، وشبرا يجوز أن يكون مفعولا [ مطلقا ] أي : ظلم شبرا ومفعولا فيه ، أي مقدار شبر . وقال أيضا في حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006255أنه صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير حضر فرسه " : نصب " حضر " على حذف المضاف ، أي قدر ما يعدو عدوة واحدة ، ثم إن المسألة منصوصة في كتب النحو ; قال
ابن مالك في " التسهيل " : الصالح للظرفية القياسية ما دل على مقدار ، وقال في " الألفية " :
وقد ينوب عن مكان مصدر وذاك في ظرف الزمان يكثر
وقال
ابن هشام في " التوضيح " :
nindex.php?page=treesubj&link=34080ينوب المصدر عن الظرف إذا كان معينا لمقدار ، نحو : انتظرتك حلب ناقة . وقال
أبو حيان في " شرح التسهيل " : قال
الصفار في " شرح الكتاب " : اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=34080المصدر إذا استعمل في معنى الظرف جاز أن يضاف إلى الفعل ، تقول أتيتك ريث قام زيد ، أي قدر بطء قيامه ، فلما خرجت إلى الظرف جاز فيها ما جاز في الظرف ، ثم إن نصب " زنة " بخصوصها على الظرفية منصوص عليه من
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وأئمة النحو ، قال
ابن مالك في " شرح التسهيل " : من الجاري مجرى ظرف الزمان باطراد مصادر قامت مقام مضاف إليها تقديرا ، نحو قولهم : هو قرب الدار ، ووزن الجبل وزنته ، والمراد بالاطراد أن لا تختص ظرفيته بعامل ما كاختصاص ظرفية المشتق من اسم الواقع فيه انتهى . وقال
أبو حيان في " شرح التسهيل " : وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه من المنتصب ظرفا صددك ، وصفيك ، ووزن الجبل ، وزنة الجبل ، وأقطار البلاد ، وهذه كلها ينصبها الفعل اللازم لإبهامها انتهى . وقال في " الارتشاف " : فرق
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه بين " وزن الجبل " " وزنة الجبل " ، فمعنى " وزن الجبل " ناحية توازنه ، أي تقابله قريبة كانت منه أو بعيدة ، وزنة الجبل حذاؤه ، أي : متصلة به ، وكلاهما مبهم يصل إليهما الفعل وينتصب ظرفا انتهى . وقد قال
التوربشتي شارح
[ ص: 346 ] المصابيح في هذا الحديث : زنة عرشه ما يوازنه في القدر ، يقال : هو زنة الجبل أي حذاؤه في الثقل والوزانة انتهى . وهذا منه إيماء إلى تخريج الحديث على الظرفية ، وقد خرجوا على الظرفية ما هو أبلغ من ذلك ; روي أن
معاوية استعمل ابن أخيه
عمرو بن عتبة بن أبي سفيان على صدقات كلب ، فاعتدى عليهم ، فقال
ابن العداء الكلبي :
سعى عقالا فلم يترك لنا سندا فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
قال
ابن الأثير في " النهاية " : نصب عقالا على الظرف أراد مدة عقال والعقال صدقة عام . وقال
ابن يعيش في " شرح المفصل " : من المنصوب على الظرف قولهم سير عليه ترويحتين ، وانتظر به نحو جزورين ، والمراد مدة ذلك ، والترويحتين تثنية الترويحة ، واحدة التراويح في الصلاة . وقال
أبو البقاء في قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006256ليصل أحدكم نشاطه " أنه منصوب على تقدير الظرف ، أي مدة نشاطه ، فحذفه وأقام المصدر مقامه . وقال
الأشرقي في " شرح المصابيح " يجوز أن يكون نشاطه بمعنى الوقت ، وأن يراد به الصلاة التي نشط لها . فإن قلت : فما تقول في نصبه على الصفة للمصدر ؟
قلت : هذا ذكره طائفة ، وأقول : لا يخلو إما أن يجعل صفة للمصدر المذكور وهو " سبحان " أو لمقدر ، فأما الأول فيعكر عليه الفصل بينه وبين موصوفه بقوله وبحمده ، وذلك ضعيف أو ممنوع ، مع أن عندي في جواز وصف سبحان وقفة ، فإنه غير متصرف ، ولم يستعمل إلا علما للتسبيح منصوبا ولم يتصرف فيه بشيء . وأما الثاني وهو أن يجعل التقدير سبحان الله تسبيحا زنة عرشه ففيه وقفة من وجوه ; الأول : أنه تقدير ما لا حاجة إليه ; لأن المصدر يصرح به في اللفظ ، فأي حاجة إلى تقدير مصدر آخر . الثاني : أن المصدر المذكور منصوب بفعل مقدر ، فإذا قدر مصدر آخر لزم منه تقدير لثلاثة : فعل المصدر الظاهر ، والمصدر المقدر ، وفعل آخر له ; لأن الفعل الواحد لا ينصب مصدرين ولا ضرورة تدعو إلى ذلك . الثالث : أن الكلام لا يصح إلا بتقدير شيء آخر ; لأن التسبيح ليس نفس الزنة ، فيكون التقدير مثل زنة عرشه ، وإذا آل الأمر إلى تقدير مثل ، فالمراد المثلية في المقدار ، فرجع إلى ما قلناه من الظرفية خصوصا أن قوله : " رضا نفسه " لا يصح فيه تقدير المثلية ; ولهذا قال
الأشرقي : يساوي خلقه عند التعداد ، وزنة عرشه في المقدار ، ويوجب رضا نفسه ، فأخرجه عن حيز المساواة ، وتقدير " قدر " صحيح فيه ، أي قدرا يبلغ رضا نفسه .
[ ص: 347 ] فإن قلت : بقي وجه إبطال الحال . قلت : إذا قدر " أسبح " أو " أقول سبحان الله موازنا لعرشه " فإن جعل حالا من الفاعل نافره كون " زنة عرشه " وما بعده جاريا على سبحان لا على قائله ، أو من المفعول نافره أن المفعول هنا مطلق ، والمعهود مجيء الحال من المفعول به ، ولا يمكن كونه من المضاف إليه كما لا يخفى ولا يطرد التقدير بالمشتق في " مداد كلماته " كما هو ظاهر ، فبطل الحال . وبقي من الوجوه الممكنة في إعرابه أربعة : أحدها أن يجعل مفعولا به لفعل أو وصف مقدر ، أي يبلغ زنة عرشه أو بالغا زنة عرشه . الثاني : أن يكون القول مقدارا ، و " سبحان الله " مفعول أول ، و " زنة عرشه " مفعول ثان على لغة من يجري القول مجرى ظن بلا شرط .
الثالث : أن يكون خبرا لكان مقدرة هي واسمها ضميرا راجعا إلى التسبيح ، وتقدر إما بصيغة المضارع أو اسم الفاعل . الرابع : وهو خاص برضا نفسه أن يجعل مفعولا له على جعل الرضا بمعنى الإرضاء ، كقولك : سبحت ابتغاء وجه الله ، وكلها لا يعول عليها ، والعمدة على الأول ، والله أعلم آخره والحمد لله .
74- رَفْعُ السِّنَةِ فِي نَصْبِ الزِّنَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ، وَلَا يُقَدَّرُ لِعَرْشِهِ زِنَةٌ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ أَفْصَحُ الْحَدِيثِ وَأَحْسَنُهُ . وَبَعْدُ سُئِلْتُ عَنْ وَجْهِ النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006249سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، زِنَةَ عَرْشِهِ ، وَرِضَا نَفْسِهِ ، وَعَدَدَ خَلْقِهِ ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ . وَالْجَوَابُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعَ مَنْصُوبَاتٍ عَلَى تَقْدِيرِ الظَّرْفِ ، وَالتَّقْدِيرُ : قَدْرَ زِنَةِ عَرْشِهِ ، وَكَذَا
البواقي ، فَلَمَّا حُذِفَ الظَّرْفُ قَامَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ فِي إِعْرَابِهِ ، فَهَذَا الْإِعْرَابُ هُوَ الْمُتَّجِهُ الْمُطَّرِدُ السَّالِمُ مِنَ الِانْتِقَاضِ ، وَقَدْ ذَكَرَ السَّائِلُ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى حَذْفِ الْخَافِضِ ؟
وَأَقُولُ : أَمَّا النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ فَقَدْ ذَكَرَهُ
المظهري فِي " شَرْحِ الْمَصَابِيحِ " قَالَ : " عَدَدَ خَلْقِهِ " مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ، أَيْ أَعُدُّ تَسْبِيحَهُ وَتَحْمِيدَهُ بِعَدَدِ خَلْقِهِ وَبِمِقْدَارِ مَا تَرْضَاهُ خَالِصًا ، وَبِثِقَلِ عَرْشِهِ وَمِقْدَارِهِ وَبِمِقْدَارِ كَلِمَاتِهِ ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ
الأشرقي فِي شَرْحِهِ قَالَ : " عَدَدَ خَلْقِهِ " وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ، أَيْ سَبَّحْتُهُ تَسْبِيحًا يُسَاوِي خَلْقَهُ عِنْدَ التَّعْدَادِ ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ فِي الْمِقْدَارِ يُوجِبُ رِضَا نَفْسِهِ انْتَهَى . فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ " نَفْسِهِ " مَصْدَرٌ وَأَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَصْدَرًا لِلتَّسْبِيحِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ ، بَلْ يَكُونُ مَصْدَرًا لِفِعْلٍ مِنَ الزِّنَةِ ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَزِنُهُ زِنَةَ عَرْشِهِ ، وَلَا يَخْفَى فَسَادُ هَذَا التَّقْدِيرِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إِنْشَاءُ وَزْنِ التَّسْبِيحِ ، بَلِ الْمُرَادُ إِنْشَاءُ قَوْلِ التَّسْبِيحِ ، وَالْمَعْنَى : أَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ قَوْلًا كَثِيرًا مِقْدَارَ زِنَةِ عَرْشِهِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْعِظَمِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ فِعْلِ الزِّنَةِ يَكُونُ الْمَعْنَى : أَزِنُ التَّسْبِيحَ زِنَةَ عَرْشِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ ، ثُمَّ إِذَا قُدِّرَ فِي الْأُخْرَى أَعُدُّهُ عَدَدَ خَلْقِهِ- كَمَا أَفْصَحَ بِهِ
المظهري - أَدَّى إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى إِنْشَاءُ عَدِّ التَّسْبِيحِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلِ الْمُرَادُ : أَقُولُهُ قَوْلًا عَدَدَ خَلْقِهِ ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِي رِضَا نَفْسِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : يُقَدَّرُ : أُرْضِيهِ رِضَا نَفْسِهِ قُلْنَا : حِينَئِذٍ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى غَيْرِ التَّسْبِيحِ ، وَهِيَ فِي " أَزِنُهُ " " وَأَعُدُّهُ " عَائِدٌ عَلَى التَّسْبِيحِ ، فَيَخْتَلُّ التَّنَاسُقُ فِي الْكَلِمَاتِ ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي
[ ص: 344 ] " مِدَادَ كَلِمَاتِهِ " بِلَا مِرْيَةٍ ، وَيَبْقَى عَلَى [ كَلَامِ ]
المظهري تَعَقُّبَانِ ; أَحَدُهُمَا : أَنَّ عَدَدًا لَوْ كَانَ مَصْدَرًا لَمْ يَجِئْ بِالْفَكِّ ; لِأَنَّ مَصْدَرَ عَدَّ عَلَى فَعْلٍ بِسُكُونِ الْعَيْنِ ، فَيَجِبُ أَنْ يُدْغَمَ فَيُقَالُ : عَدَّ ، بِالتَّشْدِيدِ ، كَرَدَّ وَمَدَّ وَشَدَّ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=84إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ، ثُمَّ قَالَ : أَيْ أَعُدُّ تَسْبِيحَهُ بِعَدَدِ خَلْقِهِ ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ الْبَاءَ ، وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ ، لَا يُقَالُ : ضَرَبْتُ زَيْدًا ، يَضْرِبُ فِي مَوْضِعِ ضَرَبْتُهُ ضَرْبًا ، ثُمَّ قَالَ : وَبِمِقْدَارِ مَا يَرْضَاهُ ، وَبِثِقَلِ عَرْشِهِ ، وَمِقْدَارِهِ وَبِمِقْدَارِ كَلِمَاتِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ، وَيُؤَوَّلُ إِلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوِ الظَّرْفِيَّةِ ، فَإِنَّ النَّصْبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَنَزْعِ الْخَافِضِ مُتَقَارِبَانِ ، فَإِنَّ الظَّرْفَ مَنْصُوبٌ عَلَى إِسْقَاطِ الْخَافِضِ الَّذِي هُوَ " فِي " غَيْرَ أَنَّهُ بَابٌ مُطَّرِدٌ ، وَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ فِي غَيْرِ الظَّرْفِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ، فَاتَّجَهَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ بِتَقْدِيرِ " قَدْرَ " ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ
الخطابي فِي " مَعَالِمِ السُّنَنِ " . [ فَقَالَ ] قَوْلُهُ : " وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ " ، أَيْ قَدْرَ مَا يُوَازِنُهَا فِي الْعَدَدِ وَالْكَثْرَةِ . وَقَالَ
ابن الأثير فِي " النِّهَايَةِ " : " وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ " أَيْ مِثْلَ عَدَدِهَا ، وَقِيلَ : قَدْرَ مَا يُوَازِنُهَا فِي الْكَثْرَةِ عِيَارَ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ يُرَادُ بِهِ التَّقْرِيبُ ، انْتَهَى . فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ : " مِثْلَ " إِلَى الْمَصْدَرِ أَوِ الْوَصْفِ ، وَبِقَوْلِهِ : " وَقِيلَ : قَدْرَ " إِلَى الظَّرْفِ . وَقَالَ الشَّيْخُ
أكمل الدين فِي " شَرْحِ الْمَشَارِقِ " : قَوْلُهُ : " عَدَدَ خَلْقِهِ " أَيْ عَدَدًا كَعَدَدِ خَلْقِهِ ، " وَزِنَةَ عَرْشِهِ " ، أَيْ بِمِقْدَارِ وَزْنِهِ ، وَرِضَا نَفْسِهِ أَيْ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إِعْرَابًا عَلَى حِدَةٍ : الْأُولَى مَصْدَرٌ ، وَالثَّانِيَةُ ظَرْفٌ ، وَالثَّالِثَةُ حَالٌ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَسَاوِيَ الْكُلِّ فِي الْإِعْرَابِ حَيْثُ أَمْكَنَ أَوْلَى ، وَتَقْدِيرُ " قَدْرَ " فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ ، فَاتَّجَهَ نَصْبُ الْكُلِّ عَلَى الظَّرْفِ بِتَقْدِيرِ " قَدْرَ " . فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِأَنَّ " قَدْرَ " انْتَصَبَ عَلَى الظَّرْفِ ، قُلْتُ : ذَلِكَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِكَ فِي أُمَّهَاتِ الْكُتُبِ ، وَقَدْ صَرَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=13938الْخَطِيبُ التِّبْرِيزِيُّ والمرزوقي كِلَاهُمَا فِي " شَرْحِ الْحَمَاسَةِ " فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ :
فَسَايَرْتُهُ مِقْدَارَ مِيلٍ وَلَيْتَنِي
. وَفِي قَوْلِهِ :
هَلِ الْوَجْدُ إِلَّا أَنَّ قَلْبِيَ لَوْ دَنَا مِنَ الْجَمْرِ قَيْدَ الرُّمْحِ لَاحْتَرَقَ الْجَمْرُ
بِأَنَّ نَصْبَ " مِقْدَارَ " وَ " قَيْدَ " كِلَاهُمَا عَلَى الظَّرْفِ ، وَقَيْدَ بِمَعْنَى قَدْرَ . قَالَ
ابن شمعون فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقِ :
مَا زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَدَاهُ إِزَارَهُ فَسَمَا فَأَدْرَكَ خَمْسَةَ الْأَشْبَارِ
[ ص: 345 ] يَجُوزُ نَصْبُ خَمْسَةَ الْأَشْبَارِ نَصْبَ الظَّرْفِ بِسَمَا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ ، أَيْ : سَمَا مِقْدَارَ خَمْسَةِ الْأَشْبَارِ . وَقَالَ جَمَاعَةٌ فِي حَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006250أَنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ " - : إِنَّ " رَمْيَةً " نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ بِتَقْدِيرِ " قَدْرَ " أَيْ قَدْرَ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ . وَقَالَ
الطيبي فِي " شَرْحِ الْمِشْكَاةِ " فِي حَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006251فَضْلِ الصَّلَاةِ الَّتِي يُسْتَاكُ لَهَا عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يُسْتَاكُ لَهَا سَبْعِينَ ضِعْفًا " : قَوْلُهُ : " سَبْعِينَ " مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَوْ ظَرْفٌ ، أَيْ تَفْضُلُ مِقْدَارَ سَبْعِينَ . وَقَالَ
أبو البقاء فِي حَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006252مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا " : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ ، وَالتَّقْدِيرُ : قَدْرَ شِبْرٍ . وَقَالَ
الطيبي فِي حَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006253مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا " : شِبْرًا وَذِرَاعًا وَبَاعًا فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ ، أَيْ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ مِقْدَارَ شِبْرٍ ، وَقَالَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006254مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ " : الْمَفْعُولُ بِهِ مَحْذُوفٌ ، وَشِبْرًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا [ مُطْلَقًا ] أَيْ : ظَلَمَ شِبْرًا وَمَفْعُولًا فِيهِ ، أَيْ مِقْدَارَ شِبْرٍ . وَقَالَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006255أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزبير حُضْرَ فَرَسِهِ " : نُصِبَ " حُضْرَ " عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ ، أَيْ قَدْرَ مَا يَعْدُو عَدْوَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصَةٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ ; قَالَ
ابن مالك فِي " التَّسْهِيلِ " : الصَّالِحُ لِلظَّرْفِيَّةِ الْقِيَاسِيَّةِ مَا دَلَّ عَلَى مِقْدَارٍ ، وَقَالَ فِي " الْأَلْفِيَّةِ " :
وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانِ مَصْدَرٍ وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ
وَقَالَ
ابن هشام فِي " التَّوْضِيحِ " :
nindex.php?page=treesubj&link=34080يَنُوبُ الْمَصْدَرُ عَنِ الظَّرْفِ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا لِمِقْدَارٍ ، نَحْوَ : انْتَظَرْتُكَ حَلْبَ نَاقَةٍ . وَقَالَ
أبو حيان فِي " شَرْحِ التَّسْهِيلِ " : قَالَ
الصفار فِي " شَرْحِ الْكِتَابِ " : اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34080الْمَصْدَرَ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَى الظَّرْفِ جَازَ أَنْ يُضَافَ إِلَى الْفِعْلِ ، تَقُولُ أَتَيْتُكَ رَيْثَ قَامَ زَيْدٌ ، أَيْ قَدْرَ بُطْءِ قِيَامِهِ ، فَلَمَّا خَرَجَتْ إِلَى الظَّرْفِ جَازَ فِيهَا مَا جَازَ فِي الظَّرْفِ ، ثُمَّ إِنَّ نَصْبَ " زِنَةَ " بِخُصُوصِهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَأَئِمَّةِ النَّحْوِ ، قَالَ
ابن مالك فِي " شَرْحِ التَّسْهِيلِ " : مِنَ الْجَارِي مَجْرَى ظَرْفِ الزَّمَانِ بِاطِّرَادٍ مَصَادِرُ قَامَتْ مَقَامَ مُضَافٍ إِلَيْهَا تَقْدِيرًا ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ : هُوَ قُرْبَ الدَّارِ ، وَوَزْنَ الْجَبَلِ وَزِنَتَهُ ، وَالْمُرَادُ بِالِاطِّرَادِ أَنْ لَا تَخْتَصَّ ظَرْفِيَّتُهُ بِعَامِلٍ مَا كَاخْتِصَاصِ ظَرْفِيَّةِ الْمُشْتَقِّ مِنَ اسْمِ الْوَاقِعِ فِيهِ انْتَهَى . وَقَالَ
أبو حيان فِي " شَرْحِ التَّسْهِيلِ " : وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ مِنَ الْمُنْتَصِبِ ظَرْفًا صَدَدَكَ ، وَصَفِيَّكَ ، وَوَزْنَ الْجَبَلِ ، وَزِنَةَ الْجَبَلِ ، وَأَقْطَارَ الْبِلَادِ ، وَهَذِهِ كُلُّهَا يَنْصِبُهَا الْفِعْلُ اللَّازِمُ لِإِبْهَامِهَا انْتَهَى . وَقَالَ فِي " الِارْتِشَافِ " : فَرَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ بَيْنَ " وَزْنَ الْجَبَلِ " " وَزِنَةَ الْجَبَلِ " ، فَمَعْنَى " وَزْنَ الْجَبَلِ " نَاحِيَةُ تَوَازُنِهِ ، أَيْ تَقَابُلِهِ قَرِيبَةً كَانَتْ مِنْهُ أَوْ بَعِيدَةً ، وَزِنَةَ الْجَبَلِ حِذَاؤُهُ ، أَيْ : مُتَّصِلَةٌ بِهِ ، وَكِلَاهُمَا مُبْهَمٌ يَصِلُ إِلَيْهِمَا الْفِعْلُ وَيَنْتَصِبُ ظَرْفًا انْتَهَى . وَقَدْ قَالَ
التوربشتي شَارِحُ
[ ص: 346 ] الْمَصَابِيحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : زِنَةَ عَرْشِهِ مَا يُوَازِنُهُ فِي الْقَدْرِ ، يُقَالُ : هُوَ زِنَةَ الْجَبَلِ أَيْ حِذَاؤُهُ فِي الثِّقَلِ وَالْوِزَانَةِ انْتَهَى . وَهَذَا مِنْهُ إِيمَاءٌ إِلَى تَخْرِيجِ الْحَدِيثِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ ، وَقَدْ خَرَّجُوا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ ; رُوِيَ أَنَّ
معاوية اسْتَعْمَلَ ابْنَ أَخِيهِ
عمرو بن عتبة بن أبي سفيان عَلَى صَدَقَاتِ كَلْبٍ ، فَاعْتَدَى عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ
ابن العداء الكلبي :
سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَنَدًا فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ
قَالَ
ابن الأثير فِي " النِّهَايَةِ " : نَصَبَ عِقَالًا عَلَى الظَّرْفِ أَرَادَ مُدَّةَ عِقَالٍ وَالْعِقَالُ صَدَقَةُ عَامٍ . وَقَالَ
ابن يعيش فِي " شَرْحِ الْمُفَصَّلِ " : مِنَ الْمَنْصُوبِ عَلَى الظَّرْفِ قَوْلُهُمْ سِيرَ عَلَيْهِ تَرْوِيحَتَيْنِ ، وَانْتُظِرَ بِهِ نَحْوَ جَزُورَيْنِ ، وَالْمُرَادُ مُدَّةَ ذَلِكَ ، وَالتَّرْوِيحَتَيْنِ تَثْنِيَةُ التَّرْوِيحَةِ ، وَاحِدَةُ التَّرَاوِيحِ فِي الصَّلَاةِ . وَقَالَ
أبو البقاء فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006256لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ " أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ الظَّرْفِ ، أَيْ مُدَّةَ نَشَاطِهِ ، فَحَذَفَهُ وَأَقَامَ الْمَصْدَرَ مَقَامَهُ . وَقَالَ
الأشرقي فِي " شَرْحِ الْمَصَابِيحِ " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَشَاطَهُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي نَشِطَ لَهَا . فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا تَقُولُ فِي نَصْبِهِ عَلَى الصِّفَةِ لِلْمَصْدَرِ ؟
قُلْتُ : هَذَا ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ ، وَأَقُولُ : لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً لِلْمَصْدَرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ " سُبْحَانَ " أَوْ لِمُقَدَّرٍ ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ الْفَصْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْصُوفِهِ بِقَوْلِهِ وَبِحَمْدِهِ ، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ أَوْ مَمْنُوعٌ ، مَعَ أَنَّ عِنْدِي فِي جَوَازِ وَصْفِ سُبْحَانَ وَقْفَةً ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ إِلَّا عَلَمًا لِلتَّسْبِيحِ مَنْصُوبًا وَلَمْ يُتَصَرَّفْ فِيهِ بِشَيْءٍ . وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ التَّقْدِيرَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَسْبِيحًا زِنَةَ عَرْشِهِ فَفِيهِ وَقْفَةٌ مِنْ وُجُوهٍ ; الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَقْدِيرُ مَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُصَرَّحُ بِهِ فِي اللَّفْظِ ، فَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى تَقْدِيرِ مَصْدَرٍ آخَرَ . الثَّانِي : أَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَذْكُورَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ ، فَإِذَا قُدِّرَ مَصْدَرٌ آخَرُ لَزِمَ مِنْهُ تَقْدِيرٌ لِثَلَاثَةٍ : فِعْلِ الْمَصْدَرِ الظَّاهِرِ ، وَالْمَصْدَرِ الْمُقَدَّرِ ، وَفِعْلٍ آخَرَ لَهُ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ لَا يَنْصِبُ مَصْدَرَيْنِ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ . الثَّالِثُ : أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِتَقْدِيرِ شَيْءٍ آخَرَ ; لِأَنَّ التَّسْبِيحَ لَيْسَ نَفْسَ الزِّنَةِ ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ مِثْلَ زِنَةِ عَرْشِهِ ، وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إِلَى تَقْدِيرِ مِثْلَ ، فَالْمُرَادُ الْمِثْلِيَّةُ فِي الْمِقْدَارِ ، فَرَجَعَ إِلَى مَا قُلْنَاهُ مِنَ الظَّرْفِيَّةِ خُصُوصًا أَنَّ قَوْلَهُ : " رِضَا نَفْسِهِ " لَا يَصِحُّ فِيهِ تَقْدِيرُ الْمِثْلِيَّةِ ; وَلِهَذَا قَالَ
الأشرقي : يُسَاوِي خَلْقَهُ عِنْدَ التَّعْدَادِ ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ فِي الْمِقْدَارِ ، وَيُوجِبُ رِضَا نَفْسِهِ ، فَأَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الْمُسَاوَاةِ ، وَتَقْدِيرُ " قَدْرَ " صَحِيحٌ فِيهِ ، أَيْ قَدْرًا يَبْلُغُ رِضَا نَفْسِهِ .
[ ص: 347 ] فَإِنْ قُلْتَ : بَقِيَ وَجْهُ إِبْطَالِ الْحَالِ . قُلْتُ : إِذَا قُدِّرَ " أُسَبِّحُ " أَوْ " أَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ مُوَازِنًا لِعَرْشِهِ " فَإِنْ جُعِلَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ نَافَرَهُ كَوْنُ " زِنَةَ عَرْشِهِ " وَمَا بَعْدَهُ جَارِيًا عَلَى سُبْحَانَ لَا عَلَى قَائِلِهِ ، أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ نَافَرَهُ أَنَّ الْمَفْعُولَ هُنَا مُطْلَقٌ ، وَالْمَعْهُودُ مَجِيءُ الْحَالِ مِنَ الْمَفْعُولِ بِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا يَطَّرِدُ التَّقْدِيرُ بِالْمُشْتَقِّ فِي " مِدَادَ كَلِمَاتِهِ " كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ، فَبَطَلَ الْحَالُ . وَبَقِيَ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُمْكِنَةِ فِي إِعْرَابِهِ أَرْبَعَةٌ : أَحَدُهَا أَنْ يُجْعَلَ مَفْعُولًا بِهِ لِفِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ مُقَدَّرٍ ، أَيْ يَبْلُغُ زِنَةَ عَرْشِهِ أَوْ بَالِغًا زِنَةَ عَرْشِهِ . الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ مِقْدَارًا ، وَ " سُبْحَانَ اللَّهِ " مَفْعُولٌ أَوَّلُ ، وَ " زِنَةَ عَرْشِهِ " مَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُجْرِي الْقَوْلَ مَجْرَى ظَنَّ بِلَا شَرْطٍ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِكَانَ مُقَدَّرَةً هِيَ وَاسْمَهَا ضَمِيرًا رَاجِعًا إِلَى التَّسْبِيحِ ، وَتُقَدَّرُ إِمَّا بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ أَوِ اسْمِ الْفَاعِلِ . الرَّابِعُ : وَهُوَ خَاصٌّ بِرِضَا نَفْسِهِ أَنْ يُجْعَلَ مَفْعُولًا لَهُ عَلَى جَعْلِ الرِّضَا بِمَعْنَى الْإِرْضَاءِ ، كَقَوْلِكَ : سَبَّحْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ، وَكُلُّهَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا ، وَالْعُمْدَةُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ آخِرُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .