حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا ، ثنا [ ص: 194 ] الهيثم بن خارجة عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : حدثني عمي ، عن يزيد بن يزيد بن جابر : أنه كان يومئ في حديثه يقول : إني لا أوصيكم بدنياكم أنتم بها مستوصون ، وأنتم عليها حراص ، وإنما عطاء الخراساني تعلمن أنه لن يعتق عبد وإن كان في الشرف والمال ، وإن قال أنا فلان ابن فلان ، حتى يعتقه الله تعالى من النار ، أوصيكم بآخرتكم ، ومن لم يعتقه الله من النار كان في أشد هلكة هلكها أحد قط ، فجدوا في دار المعتمل لدار الثواب ، وجدوا في دار الفناء لدار البقاء فإنما سميت الدنيا لأنها أدنى فيها المعتمل ، وإنما سميت الآخرة لأن كل شيء فيها مستأخر ، ولأنها دار ثواب ليس فيها عمل ، فالصقوا إلى الذنوب إذا أذنبتم إلى كل ذنب : اللهم اغفر لي ؛ فإنه التسليم لأمر الله ، والصقوا إلى الذنوب : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الله أكبر كبيرا ، والحمد لله رب العالمين ، وسبحان الله وبحمده ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأستغفر الله وأتوب إليه . فإذا نشرت الصحف وجاء هذا الكلام قد ألصقه كل عبد إلى خطاياه ، رجا بهذا الكلام المغفرة وأذهبت هذه الحسنات سيئاته ، فإن الله تعالى يقول في كتابه : ( فمن أعتقه الله من النار عتق إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) . فمن خرج من الدنيا بحسنات وسيئات رجا بها مغفرة لسيئاته ، ومن خرج ذلك اليوم مصرا على الذنوب مستكبرا عن الاستغفار قاصه الحساب وجازاه بعمله إلا من تجاوز عنه المتجاوز الكريم فإنه لذو مغفرة للناس على ظلمهم وهو سريع الحساب . أصر على الذنوب واستكبر عن الاستغفار فوالله لتفارقنها ، واجعلوا الموت كشيء ذقتموه فوالله لتذوقنه ، واجعلوا الدنيا كشيء فارقتموه ، وهي دار الناس كلهم ، ليس من الناس أحد يخرج لسفر إلا أخذ له أهبته وتجهز له بجهازه وأخذ للحر ظلالة وللعطش مزادا وللبرد لحافا ، فمن أخذ لسفره الذي يصلحه [ ص: 195 ] اغتبط ، ومن خرج إلى سفر لم يتجهز له بجهازه ، ولم يأخذ له أهبته ندم ، فإذا أضحى لم يجد ظلا ، وإذا ظمئ لم يجد ماء يتروى به ، وإذا وجد البرد لم يجد لذلك لحافا ، فلا أرى رجلا أندم منه ، وإنما هذا سفر الدنيا ينقطع عنه ولا يقيم فيه ، فأكيس الناس من قام يتجهز لسفر لا ينقطع ، فأخذ في الدنيا لظمأ لا يروى ، فمن آواه الله في ظل عرشه لم يضح أبدا ، ومن أضحى يومئذ لم يستظل أبدا ، ومن قام فأخذ لري لم يعطش أبدا ، فإن من عطش يومئذ لم يرو أبدا ، ومن قام فأخذ لكسوته لم يعر أبدا ، فإنه من عري يومئذ لم يكس أبدا ، لم يأت أحد من الناس ببراءتين ; واحدة منهن بعد هول المطلع ، والثانية في القيام بين يدي الجبار تعالى يقضي في رقاب خلقه ما يشاء لا شريك له . واجعلوا الآخرة كشيء نزلتموه فوالله لتنزلنها