يا طالب العلم هاهنا وهنا ومعدن العلم بين جنبيكا إن كنت ترجو الجنان تسكنها
فمثل العرض نصب عينيكا إن كنت ترجو الحسان تخطبها
فأسبل الدمع فوق خديكا وقم إذ قام كل مجتهد
وادعوه كيما يقول لبيكا
حدثنا أحمد قال : سمعت عمر بن بحر يقول : سمعت أبا الفيض بإخميم - يقول وهو في بلده سنة خمسين ومائتين : قال : " كنت في تيه بني إسرائيل أريد الحج فرأيت ، فقلت لرفيقي : إنا لله إن كان مع هذا الغلام يقين وإلا هلك فلحقته فقلت : يا فتى ، فقال : لبيك ، فقلت : في هذا الموضع في هذا الوقت بلا زاد ولا راحلة ؟ قال : فنظر إلي ثم قال : يا شيخ ، ارفع رأسك فانظر هل ترى غيره ؟ فقلت : يا حبيبي ، اذهب حيث شئت " . غلاما أمرد ماشيا أمامي على المحجة يؤم البيت العتيق بلا زاد ولا راحلة
حدثنا أبو العباس أحمد بن العلاء ، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال : : " حججت سنة إلى ذو النون بيت الله الحرام فضللت عن الطريق ولم يكن معي ماء ولا زاد وإني لمشرف على الهلكة ، وآيس من الحياة فلاحت لي أشجار كثيرة ، وإذا أنا بمحراب قد كان عهده من متعاهده قريبا ، فطرحت نفسي تحت فيء شجرة متوقعا لنسيم برد الليل ، فلما غربت الشمس إذا أنا بشاب متغير اللون نحيل الجسم يؤم نحو المحراب ، فركل برجله ربوة من الأرض ، فظهر عين أبيض بماء عذب فشرب وتوضأ به ، وقام في محرابه فقمت إلى العين [ ص: 176 ] فشربت ماء عذبا وسويق السلت وسكر الطبرزد ، فشبعت ورويت وتوضأت فقمت إليه أصلي بصلاته حتى برق عمود الصبح ، فلما رأى الصبح أقبل وثب قائما على قدميه ونادى بأعلى صوته : " ذهب الليل بما فيه ولم أقض من خدمتك وطرا ولا من عذب ماء مناجاتك شطرا ، إلهي خسر من أتعب لغيرك بدنه ، وألجأ إلى سواك همته" . فلما أراد أن يمضي ناديته بالذي منحك لذيذ الرغب وأذهب عنك ملال التعب إلا حففتني بجناح الرحمة وأمنتني من جناح الذلة ، فإني رجل غريب أريد قال بيت الله الحرام فضللت عن الطريق ، وليس معي ماء ولا زاد ولا راحلة وإني مشرف على الهلكة آيس من الحياة ، فقال : اسكت يا بطال ، وهل من موفود وفد إليه فقطع به دون البلاغ إليه ؟ لو صححت له في المعاملة لصحح لك في الدلالة ، ثم قال : اتبعني ، فرأيت الأرض تطوى من تحت أرجلنا حتى رأيت الحجة وسمعت ضجة ، فقال : هذه بكة ثم أنشأ يقول :
ومن عامل الله بتقواه وكان في الخلوة يرعاه
سقاه كأسا من صفا حبه تسلبه لذة دنياه
فأبعد الخلق وأقصاهم وانفرد العبد بمولاه
حدثنا ، ثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري عبد الله بن محمد العطشي ، ثنا أبو حفص عمر بن محمد بن الحكم النسائي قال : حدثني محمد بن الحسين البرجلاني قال : حدثني حسين بن محمد الشامي قال : يقول : " ركبنا في البحر نريد ذا النون مكة ومعنا في المركب رجل عليه أطمار رثة فوقع في المركب تهمة فدارت حتى صارت إليه فقلت : إن القوم اتهموك ، فقال : أنا تعني ؟ ، فقلت : نعم ، قال : فنظر إلى السماء ، ثم قال : أقسمت عليك إلا أخرجت ما فيه من حوت بجوهرة ، قال : فلقد خيل إلي أن ما في البحر سمكة إلا وقد خرجت في فيها لؤلؤة أو جوهرة ثم رمى بنفسه في البحر فذهب " . سمعت
حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر ثنا محمد بن يونس ، ثنا يوسف بن يعقوب المقرئ ، ثنا عن مبارك بن فضالة قال : " كنت واقفا ثابت البناني بعرفة فإذا أنا بشابين عليهما العباءة القطوانية فقال أحدهما لصاحبه : كيف أنت [ ص: 177 ] يا حبيب ؟ فأجابه الآخر : لبيك يا محب ، قال : فقال : ؟ فسمعت قائلا يقول سمعته الآذان ولم تره الأعين : ليس بفاعل ليس بفاعل " . أترى أن الرب الذي تواددنا فيه وتحاببنا فيه يعذبنا غدا في القيامة
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد الدينوري الطوسي بمكة يقول : سمعت إبراهيم بن شيبان يقول : سمعت أبا عبد الله المغربي يقول : " تبوك إذا أنا بامرأة بلا يدين ولا رجلين ولا عينين فتعجبت منها فقلت : يا أمة الله من أين أقبلت ؟ قالت : من عنده ، قلت : وما تريدين ؟ قالت : إليه ، قلت : يا سبحان الله بادية خرجت حاجا فبينا أنا في برية تبوك وليس فيها مغيث وأنت على هذه الحالة ؟ فقالت : يا سبحان الله غمض عينيك فغمضتهما ثم قالت : افتح عينيك ففتحتهما فإذا أنا بها متعلقة بأستار الكعبة ثم قالت : يا أبا عبد الله تتعجب من ضعيف حمله قوي ، ثم سارت بين السماء والأرض " .
حضرت عمر بن رفيل الشيخ الأمين بجرجان ، وسمعت منه ، وحدثني بهذا عنه أبو الحسن علي بن عبد الله الهمداني بمكة قال : حكى الشيخ الشبلي أبا حمزة كان من شأنه الجلوس في منزله لا يخرج إلا لعظيم لا يسعه القعود عنه فدخل عليه بعض الفقراء يوما وليس عنده شيء فخلع قميصه ودفعه إليه فخرج الفقير فغلب على أن حمزة الوجد فخرج مجردا فبينا هو يمشي في صحراء إذ وقع في بئر فأراد أن يصيح فذكر العقد بينه وبين الله ، وكان قد عاهد الله أن لا يستغيث بمخلوق فبينا هو في البئر مر رجلان على جادة الطريق فقال أحدهما للآخر : يا أخي هذا البئر في وسط الطريق لو مر به من لا يعلم به لهوى فيه فامض أنت وجئني بقصب وأنا أنقل الحجارة والتراب ففعلا وسدا رأس البئر ومضيا فأردت أن أكلمهما لضعف البشرية أن أخرجاني ثم طموه فمنعني العقد الذي بيني وبين سيدي فقلت : سيدي وعزتك لا أستغيث بغيرك ، فبينا أنا كذلك ، وقد مضى بعض الليل إذا التراب يتناثر علي من رأس البئر كأن إنسانا ينبشه فسمعت قائلا ، يقول : لا ترفع رأسك لا يسقط عليك التراب ، ثم ناداني : يا أبا حمزة تعلق برجلي فتعلقت برجله فإذا هو خشن [ ص: 178 ] اللمس فلما صعدت وصرت فوق البئر على الأرض إذا أنا بسبع عظيم الهيئة فالتفت إلي فسمعت قائلا ، يقول : يا أبا حمزة نجيناك من التلف بالتلف ، وولى عني في الصحراء فأنشأت أقول :
أهابك أن أبدي إليك الذي أخفي وطرفك يدري ما يقول له طرفي
نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى وأغنيتني بالفهم منك عن الكشف
تراءيت لي بالغيب حتى كأنما تبشرني بالغيب أنك في كفي
أراك وبي من هيبتي لك حشمة فتؤنسني بالعطف منك وباللطف
وتحيي محبا أنت في الحب حتفه وذا عجب كون الحياة من الحتف
حدثنا علي بن عبد الله قال حدثني محمد بن الحسن قال : سمعت علي بن محمد الناقد يقول : قال لي بعض شيوخنا : كنت ببعض سواحل الشام فرأيت شابا عليه طمران فأدمت النظر إليه فقال لي : فقلت له : زدني فقال : شدة الشوق والهوى صيرتني كما ترى
ما قر لي جنب على مضجع كم يلبث الجنب على الجمر
والله لا زلت له عاشقا وإن أمت أذكره في القبر
فمضى وتركني .
سمعت أبا القاسم عبد السلام بن محمد المخرمي الصوفي بمكة - يقول : قال أبو بكر الجوهري : " كنت بعسقلان على برج الخضر أحرس فمر بي رجل عليه جبة صوف متخرقة فقمت إليه مسلما وعانقته وأجلسته وجاريت معه في فنون من العلم وكان قدماه حافيتين ، فقلت له : لم لا تسأل أصحابنا في نعل يقيك الحفاء ؟ فقال لي : يا أخي :
لرد أمس بالحبال وحبس عين الشمس بالعقال
ونقل ماء البحر بالغربال أهون علي من ذل السؤال
واقفا بباب مثلي أرتجي منه النوال
ثم أخرجني من باب المدينة فانتهى بي إلى صخرة منقورة فإذا عليها مكتوب : كل بيمينك ، من عرق جبينك ، فإن ضعف يقينك فسل المولى يعينك " .
[ ص: 179 ] حدثنا محمد بن محمد بن عمر قال : سمعت أحمد بن عيسى الوشاء يقول : سمعت أبا عثمان سعيد بن الحكم يقول : سمعت يقول : " خرجت في طلب المباحات فإذا أنا بصوت ، فعدلت إليه فإذا أنا برجل ، قد غاص في بحر الوله ، وخرج على ساحل الكمد وهو يقول في دعائه : أنت تعلم أني أعلم أن ذا النون " ، الحكاية بطولها في ترجمة الاستغفار مع الإصرار ، وكذلك التي تليها . ذي النون
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، ثنا حيدرة بن عبيدة بن عبيد قال : " دخلنا على رجل من العباد نعوده فقلنا له : كيف تجدك ؟ فقال : ذنوب كثيرة ونفس ضعيفة وحسنات قليلة وسفرة طويلة وغاية مهولة ، قال : قلنا : ، ثم قال : اللهم لا تقطع بمؤملك في تلك الغمرات وارحمه في تلك الحيرة والحسرات ، إذا انخلعت القلوب يوم الندامات وجعل يتشهد حتى مات " . ما معك من الزاد لما ذكرته ؟ قال : معي الأمل في السيد الكريم
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا علي بن حمزة ، ثنا قال : حدثني أبو العيناء ، عن الأصمعي قال : " أبي عمرو بن العلاء ، فإن جحد جحده ، وذكر أن من عرف فضل من فوقه عرف فضله من دونه السري بن جابر دخل بلاد الزنج قال : فرأيت زنجية تدق الأرز وتبكي وأنشأت تقول بكلامها ما لا أقف عليه ، فقلت : ليتني أقف على ترجمتها ، فلقيت شيخا فسألته عنها فقال هي تقول :
رمقت بعيني يمنة ثم يسرة فلم أر غير الله يأمله قلبي
فجئت بإدلال إلى من عرفته فبالفضل والإحسان يغفر لي ذنبي
أياديك لا تحصى وإن طال عهدها وإحسانك المبذول في الشرق والغرب
حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثني عبد الرحمن بن محمد ، ثنا أحمد بن روح قال : حدثني إبراهيم بن عبد الله قال : حدثني عبد الرحيم بن يحيى الرازي ، عن أبي خالد بن سليم العامري قال : بلغني فرفع رأسه وقال : سيدي ومولاي حبستني في أضيق المحابس وجعلتني وحيدا لا أستطيع مذاكرة غيرك فليس لي راحة [ ص: 180 ] إلا عندك ، وقد صحت لي الظنون فيك إلهي فما بال حاجتي محتبسة وأنت لا تخلف الظنون ؟ قال : فنودي : هاك حاجتك ، فلهذا الكلام حبست حاجتك ، قال : فخر مغشيا عليه فلم يفق أياما ثم رفع رأسه فقال : إلهي أكل هذا تفعل بالمذنبين ؟ فصعق وخر ميتا " . أن راهبا من رهبان القدماء سأل الله حاجة فبعد قضاؤها عليه