550 - أبو تراب  
ومنهم أبو تراب عسكر بن الحصين ، وقيل : ابن محمد بن الحصيني ، النخشبي   [ ص: 220 ] صاحب حاتم الأصم  ، ولقي أبا حمزة العطار البصري  ، معروف بالتوكل والسياحة والفتوة ، توفي بالبادية ونهشته السباع سنة خمس وأربعين ومائتين ، صحبه أبو بكر بن أبي عاصم النبيل  ، وأبو عبد الله بن الجلاء  ، وأبو عبيدة البسري    . 
سمعت  أبا عبد الله أحمد بن إسحاق  يقول : سمعت أبا بكر أحمد بن أبي عاصم  يقول : سمعت أبا تراب الزاهد  يقول : سمعت  حاتما الأصم  يقول عن شقيق  قال : اصحب الناس كما تصحب النار ، خذ منفعتها واحذر أن تحرقك    . 
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر  ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا  قال : سمعت أبا تراب الزاهد  يقول : قال  حاتم الأصم    : الزهد اسم والزاهد الرجل وللزاهد ثلاث شرائع    : أولها الصبر بالمعرفة ، والاستقامة على التوكل ، والرضا بالقضاء . وأما تفسير الصبر بالمعرفة ، فإذا نزلت الشدة أن تعلم بقلبك أن الله يراك على حالك فتصبر وتحتسب وتعرف ثواب ذلك الصبر ، ومعرفة ثواب الصبر أن تكون مستوطن النفس في ذلك الصبر وتعلم أن لكل شيء وقتا ، والوقت على وجهين ، إما يجيء بالفرج وإما يجيء بالموت فإذا كان هذان الشيئان عندك فأنت حينئذ عارف صابر ، وأما الاستقامة على التوكل  ، فالتوكل إقرار باللسان وتصديق بالقلب ، فإذا كان مقرا مصدقا أنه رازق لا شك فيه فإنه مستقيم ، والاستقامة على معنيين : أن تعلم أن ما لك لا يفوتك ، فتكون واثقا ساكنا ، وما لغيرك لا تناله فلا تطمع فيه ، وعلامة صدق هذا اشتغاله بالمفروض ، وأما الرضا بالقضاء فالقضاء ينزل على وجهين : قضاء تهواه فيجب عليك الشكر والحمد ، وأما القضاء الذي لا تهواه فيجب عليك أن ترضى وتصبر . 
سمعت والدي يقول : سمعت أبا عبد الله بن الجلاء    - بمكة    - يقول : لقيت زيادة على خمسمائة شيخ ما لقيت مثل أربعة : أولهم  أبو تراب النخشبي   توفي بالبادية فأكلته السباع . قال : وكان أبو تراب  يقول لأصحابه : أنتم تحبون ثلاثة أشياء وليست لكم : تحبون النفس وهي لله ، وتحبون الروح والروح لله ، وتحبون المال والمال للورثة ، وتحبون اثنين ولا تجدونهما : الفرح والراحة وهما في الجنة . 
حدثنا أبو محمد بن حيان  ، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم  ، ثنا عسكر   [ ص: 221 ] بن الحصين السائح  قال : رئي  إبراهيم بن أدهم  في يوم صائف وعليه جبة فرو مقلوبة في أصل ميل مستلقيا رافعا رجليه يقول : طلب الملوك الراحة فأخطئوا الطريق    . 
سمعت أبا القاسم عبد السلام بن محمد البغدادي  بمكة  يقول : قال رجل لأبي تراب  يوما : ألك حاجة ؟ فقال : يوم يكون لي إليك حاجة وإلى أمثالك لا يكون لي إلى الله حاجة ، وقال : الذي منع الصادقين الشكوى إلى غير الله الخوف من الله  ، وقال : حقيقة الغنى  أن تستغني عمن هو مثلك ، وحقيقة الفقر  أن تفتقر إلى من هو مثلك . 
سمعت أحمد بن إسحاق  يقول : ثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم  قال : سمعت أبا تراب  يقول : سمعت حاتما  يقول : لي أربع نسوة وتسعة من الأولاد ما طمع شيطان أن يوسوس إلي في شيء من أرزاقهم    . 
حدثنا أبو محمد بن حيان  ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا  ، ثنا أبو تراب عسكر بن الحصين  قال : جاء رجل إلى  حاتم الأصم  فقال : يا أبا عبد الرحمن  أي شيء رأس الزهد ووسط الزهد وآخر الزهد  ؟ فقال : رأس الزهد الثقة بالله ، ووسطه الصبر ، وآخره الإخلاص . 
أسند أبو تراب  غير حديث . 
حدثنا أحمد بن إسحاق  ، ثنا محمد بن عبد الله بن مصعب  ، ثنا  أبو تراب الزاهد عسكر بن الحصين  ، ثنا محمد بن نمير  ، ثنا محمد بن ثابت  ، عن شريك بن عبد الله  ، عن  الأعمش  ، عن أبي سفيان  ، عن جابر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب ; فإن ربهم يطعمهم ويسقيهم    "   . 
حدثنا أبو محمد بن حيان  ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا  ، ثنا أبو تراب  ، ثنا نعيم بن حماد المصري  ، ومعاذ بن أسد  ، قالا : عن الفضل بن موسى السختياني  ، عن الحسين بن واقد  ، عن أيوب السختياني  ، عن نافع  ، عن  ابن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن لي قرصة بيضاء ملبكة بالسمن واللبن  ؟ " فقام رجل   [ ص: 222 ] فجاء به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " في أي شيء كان ؟ " فقال : في عكة ضب ، فلم يأكله النبي صلى الله عليه وسلم . 
حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق  ، ثنا عبد الصمد بن علي بن مكرم  قال : حدثني أحمد بن سليمان بن المبارك  ، ثنا  أبو تراب الزاهد البلخي  ، ثنا واصل بن إبراهيم  ، ثنا أبو حمزة  ، عن رقبة  ، عن سلمة بن كهيل  ، عن جندب بن سفيان  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   " من سمع سمع الله به ، ومن راءى راءى الله به    "   . 
حدثنا أبو محمد بن حيان  ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا  ، ثنا أبو تراب  ، ثنا أحمد بن نصر  ، ثنا عبد المنعم بن إدريس  ، عن أبيه قال : قال  وهب بن منبه    : أوحى الله عز وجل إلى موسى  عليه السلام : يا موسى  لا تحسد الناس على ما آتيتهم من فضلي ونعمتي  ، فإن الحاسد عدو لنعمتي ، مضل لفضلي ، ساخط لقسمي الذي قسمت بين عبادي ، ومن يكن كذلك فليس مني ولست منه . 
حدثنا  إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري  قال : سمعت أبا عبيد حازم بن أبي حازم  يقول : سمعت أخي أحمد بن محمد  يقول : قال  أبو تراب النخشبي    : وقفت ستا وخمسين وقفة فلما كان من قابل رأيت الناس بعرفات   ما رأيت قط أكثر منهم ولا أكثر خشوعا وتضرعا ودعاء فأعجبني ذلك وقلت : اللهم من لم تتقبل حجته من هذا الخلق فاجعل ثواب حجتي له ، فأفضنا وبتنا بجمع فرأيت في منامي هاتفا يهتف بي : تتسخى علي وأنا أسخى الأسخياء ؟ وعزتي وجلالي ما وقف هذا الموقف أحد قط إلا غفرت له ، فانتبهت فرحا بهذه الرؤيا ، فرأيت  يحيى بن معاذ الرازي  فقصصت عليه الرؤيا فقال : إن صدقت رؤياك فإنك تعيش أربعين يوما ، فلما كان يوم أحد وأربعين يوما جاءوا إلى  يحيى بن معاذ  فقالوا : إن أبا تراب  قد مات ، فقمنا فغدونا ، رحمه الله . 
قال الشيخ : ذكر جماعة من جماهير العارفين من العراقيين ، اقتصرنا على ذكرهم من دون كلامهم وأخبارهم ، منهم من تنسب إليه الكتب المصنفة كأبي سعيد الخزاز وطبقته ، ومنهم من رفع الله رايته بما انتشر عنه من كثرة أصحابه وتلامذته ، رحمة الله علينا وعليهم أجمعين . 
 [ ص: 223 ] 
				
						
						
