38 - عمير بن سعد  
ومنهم عمير بن سعد  الحافظ للعهد الوافي بالوعد ، اللقن الحفيظ الخشن الغليظ ، جمال الولاة وحجة الله على الرعاة . يقال له : نسيج وحده . 
حدثنا سليمان بن أحمد  ، ثنا محمد بن المرزبان الأدمي  ، ثنا محمد بن حكيم الرازي  ، ثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة  ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن عمير بن سعد الأنصاري  ، قال : بعثه  عمر بن الخطاب  عاملا على حمص  فمكث حولا   [ ص: 248 ] لا يأتيه خبره  ، فقال عمر  لكاتبه : اكتب إلى عمير    - فوالله ما أراه إلا قد خاننا - : إذا جاءك كتابي هذا فأقبل ، وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا . فأخذ عمير  جرابه فجعل فيه زاده وقصعته ، وعلق إداوته ، وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص  حتى دخل المدينة  ، قال : فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه وطالت شعرته . فدخل على عمر  وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فقال عمر    : ما شأنك ؟ فقال عمير    : ما ترى من شأني ألست تراني صحيح البدن طاهر الدم ، معي الدنيا أجرها بقرنها ؟ قال : وما معك ؟ فظن عمر  رضي الله عنه أنه قد جاء بمال ، فقال : معي جرابي أجعل فيه زادي ، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي ، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي ، وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرض ، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي . قال عمر    : فجئت تمشي ؟ قال : نعم ، قال : أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها ؟ قال : ما فعلوا وما سألتهم ذلك . فقال عمر    : بئس المسلمون خرجت من عندهم ، فقال له عمير    : اتق الله يا عمر  ، قد نهاك الله عن الغيبة ، وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة ، قال عمر    : فأين بعثتك ؟ وأي شيء صنعت ؟ قال : وما سؤالك يا أمير المؤمنين ، فقال عمر    : سبحان الله ، فقال عمير    : أما لولا أني أخشى أن أغمك ما أخبرتك ، بعثتني حتى أتيت البلد فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم ، حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه ، ولو نالك منه شيء لأتيتك به ، قال : فما جئتنا بشيء ؟ قال : لا ، قال : جددوا لعمير  عهدا ، قال : إن ذلك لشيء ، لا عملت لك ولا لأحد بعدك ، والله ما سلمت بل لم أسلم ، لقد قلت لنصراني : أي أخزاك الله ، فهذا ما عرضتني له يا عمر  ، وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك يا عمر  ، فاستأذنه فأذن له فرجع إلى منزله ، قال : وبينه وبين المدينة  أميال ، فقال عمر  حين انصرف عمير    : ما أراه إلا قد خاننا . فبعث رجلا يقال له الحارث  ، وأعطاه مائة دينار ، فقال له : انطلق إلى عمير  حتى تنزل به كأنك ضيف ، فإن رأيت أثر شيء فأقبل وإن رأيت حالة شديدة   [ ص: 249 ] فادفع إليه هذه المائة الدينار . فانطلق الحارث  فإذا هو بعمير  جالس يفلي قميصه إلى جانب الحائط ، فسلم عليه الرجل ، فقال له عمير    : انزل رحمك الله ، فنزل ثم سأله فقال : من أين جئت ؟ قال : من المدينة    . قال : فكيف تركت أمير المؤمنين ؟ قال : صالحا . قال : فكيف تركت المسلمين ؟ قال : صالحين . قال : أليس يقيم الحدود ؟ قال : بلى ، ضرب ابنا له أتى فاحشة فمات من ضربه . فقال عمير    : اللهم أعن عمر  فإني لا أعلمه إلا شديدا حبه لك ، قال : فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون ، حتى أتاهم الجهد ، فقال له عمير    : إنك قد أجعتنا ، فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل . قال : فأخرج الدنانير فدفعها إليه ، فقال : بعث بها إليك أمير المؤمنين فاستعن بها . قال : فصاح وقال : لا حاجة لي فيها ، ردها . فقالت له امرأته : إن احتجت إليها وإلا فضعها مواضعها ، فقال عمير    : والله ما لي شيء أجعلها فيه . فشقت امرأته أسفل درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها ، ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء ، ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئا ، فقال له عمير    : أقرئ مني أمير المؤمنين السلام . فرجع الحارث إلى عمر  ، فقال : ما رأيت ؟ قال : رأيت يا أمير المؤمنين حالا شديدا ، قال : فما صنع بالدنانير ؟ قال : لا أدري . قال : فكتب إليه عمر    : إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل . فأقبل إلى عمر  رضي الله تعالى عنه فدخل عليه ، فقال له عمر    : ما صنعت بالدنانير ؟ قال : صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها ؟ قال : أنشد عليك لتخبرني ما صنعت بها ، قال : قدمتها لنفسي ، قال : رحمك الله ، فأمر له بوسق من طعام وثوبين ، فقال : أما الطعام فلا حاجة لي فيه ، قد تركت في المنزل صاعين من شعير إلى أن آكل ذلك قد جاء الله تعالى بالرزق ، ولم يأخذ الطعام ، وأما الثوبان فقال : إن أم فلان عارية ، فأخذهما ورجع إلى منزله . فلم يلبث أن هلك رحمه الله ، فبلغ عمر  ذلك فشق عليه وترحم عليه ، فخرج يمشي ومعه المشاءون إلى بقيع الغرقد  ، فقال لأصحابه : ليتمن كل رجل منكم أمنيته ، فقال رجل : وددت يا أمير المؤمنين أن عندي مالا فأعتق لوجه الله عز وجل كذا وكذا ، وقال آخر : وددت يا أمير المؤمنين أن عندي مالا فأنفق   [ ص: 250 ] في سبيل الله ، وقال آخر : وددت لو أن لي قوة فأمتح بدلو زمزم لحجاج بيت الله ، فقال عمر    : وددت أن لي رجلا مثل عمير بن سعد  أستعين به في أعمال المسلمين   . 
حدثنا عبد الله بن شعيب  ، ثنا عبد الله بن محمد البغوي  ، ثنا عبيد الله بن محمد بن حفص  ، ثنا  حماد بن سلمة  ، عن أبي سنان  ، عن أبي طلحة الخولاني  ، قال : أتينا عمير بن سعد  في داره بفلسطين    . وكان يقال له : نسيج وحده . فإذا هو على دكان عظيم في الدار ، وفي الدار حوض من حجارة ، فقال له : يا غلام أورد الخيل ، فأوردها ، فقال : أين الفلانة ؟ قال عبيد الله    : سمى الفرس فلانة لأنها أنثى - فقال : جربة تقطر دما ، قال : أوردها ، قال : إذا تجرب الخيل ، قال : أوردها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا عدوى ولا طيرة ولا هام    ) ألم تر إلى البعير يكون بالصحراء فيصبح في كركرته أو مراقه نكتة من جرب لم تكن قبل ذلك ، فمن أعدى الأول ؟ . 
قال الشيخ : لا نعلم أسند عمير  إلى النبي صلى الله عليه وسلم غيره . 
				
						
						
