المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220قل إصلاح لهم خير ) فيه وجوه :
أحدها : قال القاضي : هذا الكلام يجمع
nindex.php?page=treesubj&link=33307النظر في صلاح مصالح اليتيم بالتقويم والتأديب وغيرهما ، لكي ينشأ على علم وأدب وفضل ؛ لأن هذا الصنع أعظم تأثيرا فيه من إصلاح حاله بالتجارة ، ويدخل فيه أيضا إصلاح ماله كي لا تأكله النفقة من جهة التجارة ، ويدخل فيه أيضا معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) [النساء : 2] ومعنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220خير ) يتناول حال المتكفل ، أي هذا العمل خير له من أن يكون مقصرا في حق اليتيم ، ويتناول حال اليتيم أيضا ، أي هذا العمل خير لليتيم من حيث إنه يتضمن صلاح نفسه ، وصلاح ماله ، فهذه الكلمة جامعة لجميع مصالح اليتيم والولي .
فإن قيل : ظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220قل إصلاح لهم خير ) لا يتناول إلا تدبير أنفسهم دون مالهم .
قلنا : ليس كذلك ; لأن ما يؤدي إلى إصلاح ماله بالتنمية والزيادة يكون إصلاحا له ، فلا يمتنع دخوله تحت الظاهر ، وهذا القول أحسن الأقوال المذكورة في هذا الموضع .
وثانيها : قول من قال : الخبر عائد إلى الولي ، يعني : أن إصلاح أموالهم من غير عوض ولا أجرة خير للولي وأعظم أجرا له .
والثالث : أن يكون الخبر عائدا إلى اليتيم ، والمعنى أن مخالطتهم بالإصلاح خير لهم من التفرد عنهم والإعراض عن مخالطتهم .
والقول الأول أولى ; لأن اللفظ مطلق فتخصيصه ببعض الجهات دون البعض ، ترجيح من غير مرجح وهو غير جائز ، فوجب حمله على الخيرات العائدة إلى الولي ، وإلى اليتيم في إصلاح النفس ، وإصلاح المال ، وبالجملة فالمراد من الآية أن جهات المصالح مختلفة غير مضبوطة ، فينبغي أن يكون عين المتكفل لمصالح اليتيم على تحصيل الخير في الدنيا والآخرة لنفسه ، واليتيم في ماله وفي نفسه ، فهذه كلمة جامعة لهذه الجهات بالكلية .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وإن تخالطوهم فإخوانكم ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=33654المخالطة جمع يتعذر فيه التمييز ، ومنه يقال للجماع : الخلاط ويقال : خولط الرجل
[ ص: 45 ] إذا جن ، والخلاط الجنون لاختلاط الأمور على صاحبه بزوال عقله .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : قَالَ الْقَاضِي : هَذَا الْكَلَامُ يَجْمَعُ
nindex.php?page=treesubj&link=33307النَّظَرَ فِي صَلَاحِ مَصَالِحِ الْيَتِيمِ بِالتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ وَغَيْرِهِمَا ، لِكَيْ يَنْشَأَ عَلَى عِلْمٍ وَأَدَبٍ وَفَضْلٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّنْعَ أَعْظَمُ تَأْثِيرًا فِيهِ مِنْ إِصْلَاحِ حَالِهِ بِالتِّجَارَةِ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا إِصْلَاحُ مَالِهِ كَيْ لَا تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ مِنْ جِهَةِ التِّجَارَةِ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ) [النِّسَاءِ : 2] وَمَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220خَيْرٌ ) يَتَنَاوَلُ حَالَ الْمُتَكَفِّلِ ، أَيْ هَذَا الْعَمَلُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُقَصِّرًا فِي حَقِّ الْيَتِيمِ ، وَيَتَنَاوَلُ حَالَ الْيَتِيمِ أَيْضًا ، أَيْ هَذَا الْعَمَلُ خَيْرٌ لِلْيَتِيمِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَتَضَمَّنُ صَلَاحَ نَفْسِهِ ، وَصَلَاحَ مَالِهِ ، فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ مَصَالِحِ الْيَتِيمِ وَالْوَلِيِّ .
فَإِنْ قِيلَ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا تَدْبِيرَ أَنْفُسِهِمْ دُونَ مَالِهِمْ .
قُلْنَا : لَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى إِصْلَاحِ مَالِهِ بِالتَّنْمِيَةِ وَالزِّيَادَةِ يَكُونُ إِصْلَاحًا لَهُ ، فَلَا يَمْتَنِعُ دُخُولُهُ تَحْتَ الظَّاهِرِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَثَانِيهَا : قَوْلُ مَنْ قَالَ : الْخَبَرُ عَائِدٌ إِلَى الْوَلِيِّ ، يَعْنِي : أَنَّ إِصْلَاحَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا أُجْرَةٍ خَيْرٌ لِلْوَلِيِّ وَأَعْظَمُ أَجْرًا لَهُ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَائِدًا إِلَى الْيَتِيمِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مُخَالَطَتَهُمْ بِالْإِصْلَاحِ خَيْرٌ لَهُمْ مِنَ التَّفَرُّدِ عَنْهُمْ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ .
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَتَخْصِيصُهُ بِبَعْضِ الْجِهَاتِ دُونَ الْبَعْضِ ، تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْخَيْرَاتِ الْعَائِدَةِ إِلَى الْوَلِيِّ ، وَإِلَى الْيَتِيمِ فِي إِصْلَاحِ النَّفْسِ ، وَإِصْلَاحِ الْمَالِ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ جِهَاتِ الْمَصَالِحِ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَيْنُ الْمُتَكَفِّلِ لِمَصَالِحِ الْيَتِيمِ عَلَى تَحْصِيلِ الْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِنَفْسِهِ ، وَالْيَتِيمِ فِي مَالِهِ وَفِي نَفْسِهِ ، فَهَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِهَذِهِ الْجِهَاتِ بِالْكُلِّيَّةِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=33654الْمُخَالَطَةُ جَمْعٌ يَتَعَذَّرُ فِيهِ التَّمْيِيزُ ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْجِمَاعِ : الْخِلَاطُ وَيُقَالُ : خُولِطَ الرَّجُلُ
[ ص: 45 ] إِذَا جُنَّ ، وَالْخِلَاطُ الْجُنُونُ لِاخْتِلَاطِ الْأُمُورِ عَلَى صَاحِبِهِ بِزَوَالِ عَقْلِهِ .