المسألة السادسة : المشهور أن ، وأنكر أكثر الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر المعتزلة ذلك ، أما المثبتون فقد احتجوا بوجوه :
الأول : أنه إن كان الجن عبارة عن موجود ليس بجسم ولا جسماني فحينئذ يكون معنى كونه قادرا على النفوذ في باطنه أنه يقدر على التصرف في باطنه ، وذلك غير مستبعد ، وإن كان عبارة عن حيوان هوائي لطيف نفاذ كما وصفناه كان نفاذه في باطن بني آدم أيضا غير ممتنع قياسا على النفس وغيرها .
الثاني : قوله تعالى : ( لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) [ البقرة : 275 ] .
الثالث : قوله عليه السلام : " " . إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم
أما المنكرون فقد احتجوا بأمور :
الأول : قوله تعالى حكاية عن إبليس - لعنه الله - : ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) [ إبراهيم : 22 ] صرح بأنه ما كان له على البشر سلطان إلا من الوجه الواحد ، وهو إلقاء الوسوسة والدعوة إلى الباطل .
الثاني : لا شك أن الأنبياء والعلماء المحققين يدعون الناس إلى لعن الشيطان والبراءة منه ، فوجب أن تكون العداوة بين الشياطين وبينهم أعظم أنواع [ ص: 76 ] العداوة فلو كانوا قادرين على النفوذ في بواطن البشر وعلى إيصال البلاء والشر إليهم لوجب أن يكون تضرر الأنبياء والعلماء منهم أشد من تضرر كل أحد ، ولما لم يكن كذلك علمنا أنه باطل .