أما قوله تعالى : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : الإمساك خلاف الإطلاق ، والمساك والمسكة اسمان منه، يقال : إنه لذو مسكة ومساكة : إذا كان بخيلا ، قال الفراء : يقال : إنه ليس بمساك غلمانه، وفيه مساكة من جبر، أي قوة. وأما التسريح فهو الإرسال، وتسريح الشعر تخليصك بعضه من بعض، وسرح الماشية : إذا أرسلها ترعى.
المسألة الثانية : تقدير الآية : ذلك الطلاق الذي حكمنا فيه بثبوت الرجعة للزوج، هو أن يوجد مرتان، ثم الواجب بعد هاتين المرتين إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ومعنى الإمساك بالمعروف هو أن يراجعها لا على قصد المضارة، بل على قصد الإصلاح والإنفاع.
وفي معنى الآية وجهان :
أحدهما : أن توقع عليها الطلقة الثالثة، روي الطلاق مرتان ) قيل له صلى الله عليه وسلم : فأين الثالثة؟ فقال صلى الله عليه وسلم : هو قوله : ( أو تسريح بإحسان ) والثاني : أن معناه أن يترك المراجعة حتى تبين بانقضاء العدة، وهو مروي عن أنه لما نزل قوله تعالى : ( الضحاك والسدي .
واعلم أن هذا الوجه هو الأقرب لوجوه :
أحدها : أن الفاء في قوله : ( فإن طلقها ) تقتضي وقوع الطلقة متأخرة عن ذلك التسريح، فلو كان المراد بالتسريح هو الطلقة الثالثة، لكان قوله : ( فإن طلقها ) طلقة رابعة ، وإنه لا يجوز .
وثانيها : أنا لو حملنا التسريح على ترك المراجعة كانت الآية متناولة لجميع الأحوال؛ لأنه بعد الطلقة الثانية، إما أن يراجعها ، وهو المراد بقوله : ( فإمساك بمعروف ) أو لا يراجعها ، بل يتركها حتى تنقضي العدة وتحصل البينونة ، وهو أو تسريح بإحسان ) أو يطلقها ، وهو المراد بقوله : ( المراد بقوله : ( فإن طلقها ) فكانت الآية مشتملة على بيان كل الأقسام، أما لو جعلنا التسريح بالإحسان طلاقا آخر لزم ترك أحد الأقسام الثلاثة، ولزم التكرير في ذكر الطلاق ، وإنه غير جائز .
وثالثها : أن ظاهر التسريح هو الإرسال والإهمال ، فحمل اللفظ على ترك المراجعة أولى من حمله على التطليق .
ورابعها : أنه قال بعد ذكر التسريح : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) والمراد به الخلع، ومعلوم أنه لا يصح فهذه الوجوه ظاهرة لو لم يثبت الخبر الذي رويناه في صحة ذلك القول، فإن صح ذلك الخبر فلا مزيد عليه. الخلع بعد أن طلقها الثالثة،
[ ص: 85 ]
واعلم أن المراد من الإحسان هو أنه إذا تركها أدى إليها حقوقها المالية، ولا يذكرها بعد المفارقة بسوء ولا ينفر الناس عنها.