أما قوله : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : المراد منه تقوية قلوب الذين قالوا : ( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ) والمعنى أنه ، والنصر السماوي ، فإذا جاءت الدولة فلا مضرة في القلة والذلة ، وإذا جاءت المحنة فلا منفعة في كثرة العدد والعدة . لا عبرة بكثرة العدد إنما العبرة بالتأييد الإلهي
المسألة الثانية : الفئة : الجماعة ، لأن بعضهم قد فاء إلى بعض فصاروا جماعة ، وقال الزجاج : أصل الفئة من قولهم : فأوت رأسه بالسيف ، وفأيت إذا قطعت ، فالفئة الفرقة من الناس ، كأنها قطعة منهم .
المسألة الثالثة : قال الفراء : لو ألغيت " من " ههنا جاز في " فئة " الرفع والنصب والخفض ، أما النصب فلأن ( كم ) بمنزلة عدد ، فنصب ما بعده نحو عشرين رجلا ، وأما الخفض فبتقدير دخول حرف ( من ) عليه ، وأما الرفع فعلى نية تقديم الفعل كأنه قيل : كم غلبت فئة .
وأما قوله : ( والله مع الصابرين ) فلا شبهة أن المراد المعونة والنصرة ، ثم يحتمل أن يكون هذا قولا للذين قالوا : ( كم من فئة قليلة ) ويحتمل أن يكون قولا من الله تعالى ، وإن كان الأول أظهر .