أما قوله تعالى : ( قال كم لبثت     ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : فيه وجهان من القراءة ، قرأ أبو عمرو  وحمزة  والكسائي  بالإدغام والباقون بالإظهار ، فمن أدغم فلقرب المخرجين ومن أظهر فلتباين المخرجين وإن كانا قريبين . 
المسألة الثانية : أجمعوا على أن قائل هذا القول هو الله تعالى وإنما عرف أن هذا الخطاب من الله تعالى ؛ لأن ذلك الخطاب كان مقرونا بالمعجز ، ولأنه بعد الإحياء شاهد من أحوال حماره وظهور البلى في عظامه ما عرف به أن تلك الخوارق لم تصدر إلا من الله تعالى . 
المسألة الثالثة : في الآية إشكال ، وهو أن الله تعالى كان عالما بأنه كان ميتا ، وكان عالما بأن الميت لا يمكنه بعد أن صار حيا أن يعلم أن مدة موته كانت طويلة أم قصيرة ، فمع ذلك لأي حكمة سأله عن مقدار تلك المدة ؟ . 
والجواب عنه : أن المقصود من هذا السؤال التنبيه على حدوث ما حدث من الخوارق . 
أما قوله تعالى : ( لبثت يوما أو بعض يوم    ) ففيه سؤالات : 
السؤال الأول : لم ذكر هذا الترديد ؟ . 
الجواب : أن الميت طالت مدة موته أو قصرت فالحال واحدة بالنسبة إليه ، فأجاب بأقل ما يمكن أن يكون ميتا لأنه اليقين ، وفي التفسير أن إماتته كانت في أول النهار ، فقال : ( يوما ) ثم لما نظر إلى ضوء   [ ص: 30 ] الشمس باقيا على رءوس الجدران فقال : ( أو بعض يوم    ) . 
السؤال الثاني : أنه لما كان اللبث مائة عام ، ثم قال : ( لبثت يوما أو بعض يوم    ) أليس هذا يكون كذبا ؟ . 
والجواب : أنه قال ذلك على حسب الظن ، ولا يكون مؤاخذا بهذا الكذب ، ونظيره أنه تعالى حكى عن أصحاب الكهف أنهم قالوا : ( لبثنا يوما أو بعض يوم    ) [الكهف : 19] على ما توهموه ووقع عندهم ، وأيضا قال إخوة يوسف  عليه السلام : ( ياأبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا    ) [يوسف : 81] وإنما قالوا ذلك بناء على الأمارة من إخراج الصواع من رحله . 
السؤال الثالث : هل علم أن ذلك اللبث كان بسبب الموت ، أو لم يعلم ذلك بل كان يعتقد أن ذلك اللبث بسبب الموت ؟ . 
الجواب : الأظهر أنه علم أن ذلك اللبث كان بسبب الموت ، وذلك لأن الغرض الأصلي في إماتته ثم إحيائه بعد مائة عام أن يشاهد الإحياء بعد الإماتة ، وذلك لا يحصل إلا إذا عرف أن ذلك اللبث كان بسبب الموت ، وهو أيضا قد شاهد إما في نفسه أو في حماره أحوالا دالة على أن ذلك اللبث كان بسبب الموت . 
أما قوله تعالى : ( قال بل لبثت مائة عام    ) فالمعنى ظاهر ، وقيل : العام أصله من العوم الذي هو السباحة ، لأن فيه سبحا طويلا لا يمكن من التصرف فيه . 
				
						
						
