أما قوله تعالى : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : ظاهر قوله : ( على كل جبل    ) جميع جبال الدنيا ، فذهب  مجاهد  والضحاك  إلى العموم بحسب الإمكان ، كأنه قيل : فرقها على كل جبل يمكنك التفرقة عليه ، وقال  ابن عباس  والحسن  وقتادة  والربيع    : أربعة جبال على حسب الطيور الأربعة وعلى حسب الجهات الأربعة أيضا ، أعني المشرق والمغرب والشمال والجنوب ، وقال السدي   وابن جريج    : سبعة من الجبال ؛ لأن المراد كل جبل يشاهده إبراهيم  عليه السلام حتى يصح منه دعاء الطير ، لأن ذلك لا يتم إلا بالمشاهدة ، والجبال التي كان يشاهدها إبراهيم  عليه السلام  سبعة . 
المسألة الثانية : روي أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذبحها ونتف ريشها وتقطيعها جزءا جزءا وخلط دمائها ولحومها ، وأن يمسك رءوسها ، ثم أمر بأن يجعل أجزاءها على الجبال ؛ على كل جبل ربعا من كل طائر ، ثم يصيح بها : تعالين بإذن الله تعالى ، ثم أخذ كل جزء يطير إلى الآخر حتى تكاملت الجثث ، ثم أقبلت كل جثة إلى رأسها ، وانضم كل رأس إلى جثته ، وصار الكل أحياء بإذن الله تعالى . 
المسألة الثالثة : قرأ عاصم  في رواية أبي بكر  والفضل    " جزءا " مثقلا مهموزا حيث وقع ، والباقون مهمزا مخففا وهما لغتان بمعنى واحد . 
أما قوله تعالى : ( ثم ادعهن يأتينك سعيا    ) فقيل : عدوا ومشيا على أرجلهن ؛ لأن ذلك أبلغ في الحجة ، وقيل : طيرانا وليس يصح ، لأنه لا يقال للطير إذا طار : سعى ، ومنهم من أجاب عنه بأن السعي هو الاشتداد في الحركة ، فإن كانت الحركة طيرانا فالسعي فيها هو الاشتداد في تلك الحركة . 
وقد احتج أصحابنا بهذه الآية على أن البنية ليست شرطا في صحة الحياة ، وذلك لأنه تعالى جعل كل واحد من تلك الأجزاء والأبعاض حيا فاهما للنداء ، قادرا على السعي والعدو ، فدل ذلك على أن البنية ليست شرطا في صحة الحياة . 
قال القاضي : الآية دالة على أنه لا بد من البنية من حيث أوجب التقطيع بطلان حياتها . 
والجواب : أنه ضعيف لأن حصول المقارنة لا يدل على وجوب المقارنة ، أما الانفكاك عنه في بعض الأحوال فإنه يدل على أن المقارنة حيث حصلت ما كانت واجبة ، ولما دلت الآية على حصول فهم النداء ، والقدرة على السعي لتلك الأجزاء حال تفرقها ، كان دليلا قاطعا على أن البنية ليست شرطا للحياة . 
أما قوله تعالى : ( واعلم أن الله عزيز حكيم    ) فالمعنى أنه غالب على جميع الممكنات " حكيم " أي : عليم بعواقب الأمور وغايات الأشياء . 
				
						
						
