ثم قال تعالى : ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ عاصم وحمزة ( فآذنوا ) مفتوحة الألف ممدودة مكسورة الذال على مثال ( فآمنوا ) والباقون ( فأذنوا ) بسكون الهمزة مفتوحة الذال مقصورة ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن علي رضي الله عنه أنهما قرآ كذلك ( فآذنوا ) ممدودة ، أي فأعلموا من قوله تعالى : ( فقل آذنتكم على سواء ) [ الأنبياء : 109] ومفعول الإيذان محذوف في هذه الآية ، والتقدير : فأعلموا بحرب من الله ورسوله ، وإذا أمروا بإعلام غيرهم فهم أيضا قد علموا ذلك ، لكن ليس في علمهم دلالة على إعلام غيرهم ، فهذه القراءة في البلاغة آكد ، وقال من لم ينته عن الربا أحمد بن يحيى : قراءة العامة من الإذن ، أي كونوا على علم وإذن ، وقرأ الحسن ( فأيقنوا ) وهو دليل لقراءة العامة .
المسألة الثانية : اختلفوا في أن الخطاب بقوله ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ) خطاب مع المؤمنين المصرين على معاملة الربا ، أو هو خطاب مع الكفار المستحلين للربا ، الذين قالوا إنما البيع مثل الربا ، قال القاضي : والاحتمال الأول أولى ؛ لأن قوله : ( فأذنوا ) خطاب مع قوم تقدم ذكرهم ، وهم المخاطبون بقوله : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) وذلك يدل على أن الخطاب مع المؤمنين .
فإن قيل : كيف أمر بالمحاربة مع المسلمين ؟
قلنا : هذه اللفظة قد تطلق على من عصى الله غير مستحل ، كما جاء في الخبر " " وعن من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " " وقد جعل كثير من المفسرين والفقهاء قوله تعالى : ( من لم يدع المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) [ المائدة : 33] أصلا في قطع [ ص: 88 ] الطريق من المسلمين ، فثبت أن ذكر هذا النوع من التهديد مع المسلمين وارد في كتاب الله وفي سنة رسوله .
إذا عرفت هذا فنقول : في الجواب عن السؤال المذكور وجهان : الأول : المراد المبالغة في التهديد دون نفس الحرب ، والثاني : المراد نفس الحرب وفيه تفصيل ، فنقول : إن كان من شخص وقدر الإمام عليه قبض عليه وأجرى فيه حكم الله من التعزير والحبس إلى أن تظهر منه التوبة ، وإن وقع ممن يكون له عسكر وشوكة ، حاربه الإمام كما يحارب الفئة الباغية وكما حارب الإصرار على عمل الربا أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة ، وكذا القوم لو اجتمعوا على ترك الأذان ، وترك دفن الموتى ، فإنه يفعل بهم ما ذكرناه ، وقال رضي الله عنهما : من عامل بالربا يستتاب فإن تاب وإلا ضرب عنقه . ابن عباس
والقول الثاني : في هذه الآية أن قوله : ( فإن لم تفعلوا فأذنوا ) ، خطاب للكفار ، وأن معنى الآية ( وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) معترفين بتحريم الربا ( فإن لم تفعلوا ) أي فإن لم تكونوا معترفين بتحريمه ( فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) ومن ذهب إلى هذا القول ، قال : إن فيه دليلا على أن كان كافرا ، كما لو كفر بجميع شرائعه . من كفر بشريعة واحدة من شرائع الإسلام
ثم قال تعالى : ( وإن تبتم ) والمعنى على القول الأول تبتم من معاملة الربا ، وعلى القول الثاني من استحلال الربا ( فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) أي لا تظلمون الغريم بطلب الزيادة على رأس المال ، ولا تظلمون أي بنقصان رأس المال .