ثم قال تعالى : ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) اعلم أن هذه الآية في العظماء الذين كانوا يعاملون بالربا وكانوا أصحاب ثروة وجلال وأنصار وأعوان وكان قد يجري منهم التغلب على الناس بسبب ثروتهم ، فاحتاجوا إلى مزيد زجر ووعيد وتهديد ، حتى يمتنعوا عن الربا ، وعن ، فلا جرم توعدهم الله بهذه الآية ، وخوفهم على أعظم الوجوه ، وفيه مسائل : أخذ أموال الناس بالباطل
المسألة الأولى : قال : هذه الآية آخر آية نزلت على الرسول عليه الصلاة والسلام ، وذلك لأنه عليه السلام لما حج نزلت ( ابن عباس يستفتونك ) [ النساء : 127] وهي آية الكلالة ، ثم نزل وهو واقف بعرفة ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) [ المائدة : 3] ، ثم نزل ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) [ البقرة : 281] ، فقال جبريل عليه السلام : يا محمد ضعها على رأس ثمانين آية ومائتي آية من البقرة ، وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها أحدا وثمانين يوما ، وقيل : أحدا وعشرين ، وقيل : سبعة أيام ، وقيل : ثلاث ساعات .
المسألة الثانية : قرأ أبو عمرو " ترجعون " بفتح التاء والباقون بضم التاء ، واعلم أن الرجوع لازم ، والرجع متعد ، وعليه تخرج القراءتان .
المسألة الثالثة : انتصب ( يوما ) على المفعول به ، لا على الظرف ؛ لأنه ليس المعنى : واتقوا في هذا اليوم ، لكن المعنى تأهبوا للقائه بما تقدمون من العمل الصالح ، ومثله قوله : ( فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ) [ المزمل : 17] أي : كيف تتقون هذا اليوم الذي هذا وصفه مع الكفر بالله .
المسألة الرابعة : قال القاضي : اليوم عبارة عن زمان مخصوص ، وذلك لا يتقى ، وإنما يتقى ما يحدث فيه من الشدة والأهوال ، واتقاء تلك الأهوال لا يمكن إلا في دار الدنيا بمجانبة المعاصي الواجبات ، فصار قوله : ( واتقوا يوما ) يتضمن الأمر بجميع أقسام التكاليف . [ ص: 92 ] المسألة الخامسة : الرجوع إلى الله تعالى ليس المراد منه ما يتعلق بالمكان والجهة فإن ذلك محال على الله تعالى ، وليس المراد منه الرجوع إلى علمه وحفظه ، فإنه معهم أينما كانوا لكن كل ما في القرآن من قوله : ( ترجعون فيه إلى الله ) له معنيان : الأول : أن الإنسان له أحوال ثلاثة على الترتيب :
فالحالة الأولى : كونهم في بطون أمهاتهم ، ثم لا يملكون نفعهم ولا ضرهم ، بل المتصرف فيهم ليس إلا الله سبحانه وتعالى .
والحالة الثانية : كونهم بعد البروز عن بطون أمهاتهم ، وهناك يكون المتكفل بإصلاح أحوالهم في أول الأمر الأبوين ، ثم بعد ذلك يتصرف بعضهم في البعض في حكم الظاهر .
والحالة الثالثة : بعد الموت وهناك لا يكون المتصرف فيهم ظاهرا في الحقيقة إلا الله سبحانه ، فكأنه بعد الخروج عن الدنيا عاد إلى الحالة التي كان عليها قبل الدخول في الدنيا ، فهذا هو معنى الرجوع إلى الله . والثاني : أن يكون المراد يرجعون إلى ما أعد الله لهم من ثواب أو عقاب ، وكلا التأويلين حسن مطابق للفظ .