ثم قال تعالى : ( ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ) ، والمعنى أن ذلك الاستحلال والخيانة هو بسبب أنهم يقولون ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل .
وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في السبب الذي لأجله اعتقد اليهود هذا الاستحلال وجوها :
الأول : أنهم مبالغون في التعصب لدينهم ، فلا جرم يقولون : يحل قتل المخالف ويحل أخذ ماله بأي طريق كان ، وروي في الخبر أنه لما نزلت هذه الآية قال عليه السلام : " كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي ، إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر " .
الثاني : اليهود قالوا ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) [ المائدة : 18 ] ، والخلق لنا عبيد فلا سبيل لأحد علينا إذا أكلنا أموال عبيدنا .
الثالث : أن اليهود إنما ذكروا هذا الكلام لا مطلقا لكل من خالفهم ، بل للعرب الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، روي أن اليهود بايعوا رجالا في الجاهلية فلما أسلموا طالبوهم بالأموال ، فقالوا : ليس لكم علينا حق لأنكم تركتم دينكم ، وأقول : من المحتمل أنه كان من مذهب اليهود أن من انتقل من دين باطل إلى دين آخر باطل كان في حكم المرتد ، فهم وإن اعتقدوا أن العرب كفار إلا أنهم لما اعتقدوا في الإسلام أنه كفر حكموا على العرب الذين أسلموا بالردة .
المسألة الثانية : نفي السبيل المراد منه نفي القدرة على المطالبة والإلزام .
قال تعالى : ( ما على المحسنين من سبيل ) [ التوبة : 91 ] ، وقال : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) [ النساء : 141 ] ، وقال : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ) [ الشورى : 41 ، 42 ] .
المسألة الثالثة : " الأمي " منسوب إلى الأم ، وسمي النبي - صلى الله عليه وسلم - أميا قيل : لأنه كان لا يكتب وذلك لأن الأم أصل الشيء ، فمن لا يكتب فقد بقي على أصله في أن لا يكتب ، وقيل : نسب إلى مكة وهي أم القرى .