ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131واتقوا النار التي أعدت للكافرين ) وفيه سؤالات :
الأول : أن النار التي أعدت للكافرين
[ ص: 4 ] تكون بقدر كفرهم وذلك أزيد مما يستحقه المسلم بفسقه ، فكيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131واتقوا النار التي أعدت للكافرين ) .
والجواب : تقدير الآية : اتقوا أن تجحدوا تحريم الربا فتصيروا كافرين .
السؤال الثاني : ظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131أعدت للكافرين ) يقتضي أنها ما أعدت إلا للكافرين ، وهذا يقتضي القطع بأن أحدا من المؤمنين لا يدخل النار وهو على خلاف سائر الآيات .
والجواب من وجوه :
الأول : أنه لا يبعد أن يكون في النار دركات أعد بعضها للكفار وبعضها للفساق ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131النار التي أعدت للكافرين ) إشارة إلى تلك الدركات المخصوصة التي أعدها الله للكافرين ، وهذا لا يمنع ثبوت دركات أخرى في النار أعدها الله لغير الكافرين .
الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30437كون النار معدة للكافرين ، لا يمنع دخول المؤمنين فيها ؛ لأنه لما كان
nindex.php?page=treesubj&link=30439أكثر أهل النار هم الكفار فلأجل الغلبة لا يبعد أن يقال : إنها معدة لهم ، كما أن الرجل يقول : لدابة ركبها لحاجة من الحوائج ، إنما أعددت هذه الدابة للقاء المشركين ، فيكون صادقا في ذلك وإن كان هو قد ركبها في تلك الساعة لغرض آخر فكذا هاهنا .
الوجه الثالث في الجواب : أن القرآن كالسورة الواحدة فهذه الآية دلت على أن النار معدة للكافرين , وسائر الآيات دالة أيضا على أنها معدة لمن سرق وقتل وزنى وقذف ، ومثاله قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ) [الملك : 8] وليس لجميع الكفار يقال ذلك ، وأيضا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=94فكبكبوا فيها هم والغاوون ) [الشعراء : 94] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إذ نسويكم برب العالمين ) [الشعراء : 98] وليس هذا صفة جميعهم ولكن لما كانت هذه الشرائط مذكورة في سائر السور ، كانت كالمذكورة هاهنا ، فكذا فيما ذكرناه والله أعلم .
الوجه الرابع : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131أعدت للكافرين ) إثبات كونها معدة لهم ولا يدل على الحصر كما أن قوله : في الجنة (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أعدت للمتقين ) [آل عمران : 133] لا يدل على أنه لا يدخلها سواهم من الصبيان والمجانين والحور العين .
الوجه الخامس : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30443المقصود من وصف النار بأنها أعدت للكافرين تعظيم الزجر ، وذلك لأن المؤمنين الذين خوطبوا باتقاء المعاصي إذا علموا بأنهم متى فارقوا التقوى أدخلوا النار المعدة للكافرين ، وقد تقرر في عقولهم عظم عقوبة الكفار ، كان انزجارهم عن المعاصي أتم ، وهذا بمنزلة أن يخوف الوالد ولده بأنك إن عصيتني أدخلتك دار السباع ، ولا يدل ذلك على أن تلك الدار لا يدخلها غيرهم فكذا هاهنا .
السؤال الثالث : هل تدل الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30430النار مخلوقة الآن أم لا ؟
الجواب : نعم لأن قوله : ( أعدت ) إخبار عن الماضي فلا بد أن يكون قد دخل ذلك الشيء في الوجود .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) وَفِيهِ سُؤَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
[ ص: 4 ] تَكُونُ بِقَدْرِ كُفْرِهِمْ وَذَلِكَ أَزْيَدُ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْلِمُ بِفِسْقِهِ ، فَكَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) .
وَالْجَوَابُ : تَقْدِيرُ الْآيَةِ : اتَّقُوا أَنْ تَجْحَدُوا تَحْرِيمَ الرِّبَا فَتَصِيرُوا كَافِرِينَ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : ظَاهِرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) يَقْتَضِي أَنَّهَا مَا أُعِدَّتْ إِلَّا لِلْكَافِرِينَ ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ سَائِرِ الْآيَاتِ .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِي النَّارِ دَرَكَاتٌ أُعِدَّ بَعْضُهَا لِلْكُفَّارِ وَبَعْضُهَا لِلْفُسَّاقِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) إِشَارَةٌ إِلَى تِلْكَ الدَّرَكَاتِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ دَرَكَاتٍ أُخْرَى فِي النَّارِ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِغَيْرِ الْكَافِرِينَ .
الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30437كَوْنَ النَّارِ مُعَدَّةً لِلْكَافِرِينَ ، لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=30439أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ هُمُ الْكُفَّارَ فَلِأَجْلِ الْغَلَبَةِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهَا مُعَدَّةٌ لَهُمْ ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ : لِدَابَّةٍ رَكِبَهَا لِحَاجَةٍ مِنَ الْحَوَائِجِ ، إِنَّمَا أَعْدَدْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ لِلِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ ، فَيَكُونُ صَادِقًا فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هُوَ قَدْ رَكِبَهَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لِغَرَضٍ آخَرَ فَكَذَا هَاهُنَا .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي الْجَوَابِ : أَنَّ الْقُرْآنَ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ النَّارَ مُعَدَّةٌ لِلْكَافِرِينَ , وَسَائِرُ الْآيَاتِ دَالَّةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِمَنْ سَرَقَ وَقَتَلَ وَزَنَى وَقَذَفَ ، وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) [الْمُلْكِ : 8] وَلَيْسَ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ يُقَالُ ذَلِكَ ، وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=94فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ) [الشُّعَرَاءِ : 94] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الشُّعَرَاءِ : 98] وَلَيْسَ هَذَا صِفَةَ جَمِيعِهِمْ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ مَذْكُورَةً فِي سَائِرِ السُّوَرِ ، كَانَتْ كَالْمَذْكُورَةِ هَاهُنَا ، فَكَذَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) إِثْبَاتُ كَوْنِهَا مُعَدَّةً لَهُمْ وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ : فِي الْجَنَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آلِ عِمْرَانَ : 133] لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا سِوَاهُمْ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينَ وَالْحُورِ الْعِينِ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30443الْمَقْصُودَ مِنْ وَصْفِ النَّارِ بِأَنَّهَا أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ تَعْظِيمُ الزَّجْرِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِاتِّقَاءِ الْمَعَاصِي إِذَا عَلِمُوا بِأَنَّهُمْ مَتَى فَارَقُوا التَّقْوَى أُدْخِلُوا النَّارَ الْمُعَدَّةَ لِلْكَافِرِينَ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عُقُولِهِمْ عِظَمُ عُقُوبَةِ الْكُفَّارِ ، كَانَ انْزِجَارُهُمْ عَنِ الْمَعَاصِي أَتَمَّ ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُخَوِّفَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ بِأَنَّكَ إِنْ عَصَيْتَنِي أَدْخَلْتُكَ دَارَ السِّبَاعِ ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الدَّارَ لَا يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ فَكَذَا هَاهُنَا .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : هَلْ تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30430النَّارَ مَخْلُوقَةٌ الْآنَ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ : نَعَمْ لِأَنَّ قَوْلَهُ : ( أُعِدَّتْ ) إِخْبَارٌ عَنِ الْمَاضِي فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي الْوُجُودِ .