(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم )
اعلم أن هذه الآية من بقية الكلام في قصة
أحد ، فأخبر تعالى أن الأحوال التي وقعت في تلك الحادثة من القتل والهزيمة ، ثم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إياهم مع ما كان بهم من الجراحات إلى الخروج لطلب العدو ، ثم دعائه إياهم مرة أخرى إلى
بدر الصغرى لموعد
أبي سفيان ، فأخبر تعالى أن كل هذه الأحوال
[ ص: 90 ] صار دليلا على
nindex.php?page=treesubj&link=30797_28787امتياز المؤمن من المنافق ، لأن المنافقين خافوا ورجعوا وشمتوا بكثرة القتلى منكم ، ثم ثبطوا وزهدوا المؤمنين عن العود إلى الجهاد ، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يجوز في حكمته أن يذركم على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم وإظهارهم أنهم منكم ومن أهل الإيمان بل كان يجب في حكمته إلقاء هذه الحوادث والوقائع حتى يحصل هذا الامتياز ، فهذا وجه النظم . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
حمزة والكسائي : " حتى يميز الخبيث " بالتشديد ، وكذلك في الأفعال ، والباقون " يميز " بالتخفيف وفتح الياء الأولى وكسر الميم وسكون الياء الأخيرة ، قال
الواحدي - رحمه الله - : وهما لغتان يقال مزت الشيء بعضه من بعض فأنا أميزه ميزا أو أميزه تمييزا ، ومنه الحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012223من ماز أذى عن طريق فهو له صدقة " وحجة من قرأ بالتخفيف وفتح الياء أن الميز يفيد فائدة التمييز وهو أخف في اللفظ فكان أولى ، وحكى
أبو زيد عن
أبي عمرو أنه كان يقول : التشديد للكثرة ، فأما واحد من واحد فيميز بالتخفيف ، والله تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179حتى يميز الخبيث من الطيب ) فذكر شيئين ، وهذا كما قال بعضهم في الفرق والتفريق ، وأيضا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=59وامتازوا اليوم ) [ يس : 59 ] وهو مطاوع الميز ، وحجة من قرأ بالتشديد : أن التشديد للتكثير والمبالغة ، وفي المؤمنين والمنافقين كثرة ، فلفظ التمييز ههنا أولى ، ولفظ الطيب والخبيث وإن كان مفردا إلا أنه للجنس ، فالمراد بهما جميع المؤمنين والمنافقين لا اثنان منهما .
المسألة الثانية : قد ذكرنا أن معنى الآية : ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق وأشباهه حتى يميز الخبيث من الطيب ، أي المنافق من المؤمن ، واختلفوا بأي شيء ميز بينهم ، وذكروا وجوها :
أحدها : بإلقاء المحن والمصائب والقتل والهزيمة ، فمن كان مؤمنا ثبت على إيمانه وعلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن كان منافقا ظهر نفاقه وكفره .
وثانيها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29677_19877الله وعد بنصرة المؤمنين وإذلال الكافرين ، فلما قوي الإسلام عظمت دولته وذل الكفر وأهله ، وعند ذلك حصل هذا الامتياز .
وثالثها : القرائن الدالة على ذلك ، مثل أن المسلمين كانوا يفرحون بنصرة الإسلام وقوته ، والمنافقين كانوا يغتمون بسبب ذلك .
المسألة الثالثة : ههنا سؤال ، وهو أن هذا التمييز إن ظهر وانكشف فقد ظهر كفر المنافقين ، وظهور الكفر منهم ينفي كونهم منافقين ، وإن لم يظهر لم يحصل موعود الله .
وجوابه : أنه ظهر بحيث يفيد الامتياز الظني ، لا الامتياز القطعي .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) معناه أنه سبحانه حكم بأن يظهر هذا التمييز ، ثم بين بهذه الآية أنه لا يجوز أن يحصل ذلك التمييز بأن يطلعكم الله على غيبه فيقول إن فلانا منافق وفلانا مؤمن ، وفلانا من أهل الجنة وفلانا من أهل النار ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29692سنة الله جارية بأنه لا يطلع عوام الناس على غيبه ، بل لا سبيل لكم إلى معرفة ذلك الامتياز إلا بالامتحانات مثل ما ذكرنا من وقوع المحن والآفات ، حتى يتميز عندها الموافق من المنافق ، فأما معرفة ذلك على سبيل الاطلاع من الغيب فهو من خواص الأنبياء ، فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ) أي ولكن الله يصطفي من رسله من يشاء فخصهم بإعلامهم أن هذا مؤمن وهذا منافق . ويحتمل : ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فيمتحن خلقه بالشرائع على أيديهم حتى يتميز الفريقان بالامتحان ، ويحتمل أيضا أن يكون المعنى : وما كان الله
[ ص: 91 ] ليجعلكم كلكم عالمين بالغيب من حيث يعلم الرسول حتى تصيروا مستغنين عن الرسول ، بل الله يخص من يشاء من عباده بالرسالة ، ثم يكلف الباقين طاعة هؤلاء الرسل .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179فآمنوا بالله ورسله ) والمقصود أن
nindex.php?page=treesubj&link=29378_28757_28758المنافقين طعنوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بوقوع الحوادث المكروهة في قصة
أحد ، فبين الله تعالى أنه كان فيها مصالح ، منها تمييز الخبيث من الطيب ، فلما أجاب عن هذه الشبهة التي ذكرتموها قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179فآمنوا بالله ورسله ) يعني لما دلت الدلائل على نبوته ، وهذه الشبهة التي ذكرتموها في الطعن في نبوته فقد أجبنا عنها ، فلم يبق إلا أن تؤمنوا بالله ورسله ، وإنما قال : ( ورسله ) ولم يقل : ورسوله لدقيقة ، وهي أن الطريق الذي به يتوصل إلى الإقرار بنبوة أحد من الأنبياء عليهم السلام ليس إلا المعجز وهو حاصل في حق
محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجب
nindex.php?page=treesubj&link=30172_28746الإقرار بنبوة كل واحد من الأنبياء ، فلهذه الدقيقة قال : ( ورسله ) والمقصود التنبيه على أن طريق إثبات نبوة جميع الأنبياء واحد ، فمن أقر بنبوة واحد منهم لزمه الإقرار بنبوة الكل ، ولما أمرهم بذلك قرن به الوعد بالثواب فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ) وهو ظاهر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ فِي قِصَّةِ
أُحُدٍ ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ ، ثُمَّ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ مَعَ مَا كَانَ بِهِمْ مِنَ الْجِرَاحَاتِ إِلَى الْخُرُوجِ لِطَلَبِ الْعَدُوِّ ، ثُمَّ دُعَائِهِ إِيَّاهُمْ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى
بَدْرٍ الصُّغْرَى لِمَوْعِدِ
أَبِي سُفْيَانَ ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ
[ ص: 90 ] صَارَ دَلِيلًا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30797_28787امْتِيَازِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْمُنَافِقِ ، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ خَافُوا وَرَجَعُوا وَشَمَتُوا بِكَثْرَةِ الْقَتْلَى مِنْكُمْ ، ثُمَّ ثَبَّطُوا وَزَهَّدُوا الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْعَوْدِ إِلَى الْجِهَادِ ، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حِكْمَتِهِ أَنْ يَذَرَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ اخْتِلَاطِ الْمُنَافِقِينَ بِكُمْ وَإِظْهَارِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْكُمْ وَمِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بَلْ كَانَ يَجِبُ فِي حِكْمَتِهِ إِلْقَاءُ هَذِهِ الْحَوَادِثِ وَالْوَقَائِعِ حَتَّى يَحْصُلَ هَذَا الِامْتِيَازُ ، فَهَذَا وَجْهُ النَّظْمِ . وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : " حَتَّى يُمَيِّزَ الْخَبِيثَ " بِالتَّشْدِيدِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ ، وَالْبَاقُونَ " يَمِيزَ " بِالتَّخْفِيفِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَهُمَا لُغَتَانِ يُقَالُ مِزْتُ الشَّيْءَ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ فَأَنَا أُمَيِّزُهُ مَيْزًا أَوْ أُمَيِّزُهُ تَمْيِيزًا ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012223مَنْ مَازَ أَذًى عَنْ طَرِيقٍ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ " وَحُجَّةُ مَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ وَفَتْحِ الْيَاءِ أَنَّ الْمَيْزَ يُفِيدُ فَائِدَةَ التَّمْيِيزِ وَهُوَ أَخَفُّ فِي اللَّفْظِ فَكَانَ أَوْلَى ، وَحَكَى
أَبُو زَيْدٍ عَنْ
أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : التَّشْدِيدُ لِلْكَثْرَةِ ، فَأَمَّا وَاحِدٌ مِنْ وَاحِدٍ فَيَمِيزُ بِالتَّخْفِيفِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) فَذَكَرَ شَيْئَيْنِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْفَرْقِ وَالتَّفْرِيقِ ، وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=59وَامْتَازُوا الْيَوْمَ ) [ يس : 59 ] وَهُوَ مُطَاوِعُ الْمَيْزِ ، وَحُجَّةُ مَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ : أَنَّ التَّشْدِيدَ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ كَثْرَةٌ ، فَلَفْظُ التَّمْيِيزِ هَهُنَا أَوْلَى ، وَلَفْظُ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا إِلَّا أَنَّهُ لِلْجِنْسِ ، فَالْمُرَادُ بِهِمَا جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لَا اثْنَانِ مِنْهُمَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ اخْتِلَاطِ الْمُؤْمِنِ بِالْمُنَافِقِ وَأَشْبَاهِهِ حَتَّى يُمَيِّزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ، أَيِ الْمُنَافِقَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ، وَاخْتَلَفُوا بِأَيِّ شَيْءٍ مَيَّزَ بَيْنَهُمْ ، وَذَكَرُوا وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : بِإِلْقَاءِ الْمِحَنِ وَالْمَصَائِبِ وَالْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ ، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ثَبَتَ عَلَى إِيمَانِهِ وَعَلَى تَصْدِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْ كَانَ مُنَافِقًا ظَهَرَ نِفَاقُهُ وَكُفْرُهُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29677_19877اللَّهَ وَعَدَ بِنُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِذْلَالِ الْكَافِرِينَ ، فَلَمَّا قَوِيَ الْإِسْلَامُ عَظُمَتْ دَوْلَتُهُ وَذَلَّ الْكُفْرُ وَأَهْلُهُ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ حَصَلَ هَذَا الِامْتِيَازُ .
وَثَالِثُهَا : الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ ، مِثْلُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَفْرَحُونَ بِنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَقُوَّتِهِ ، وَالْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَغْتَمُّونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : هَهُنَا سُؤَالٌ ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا التَّمْيِيزَ إِنْ ظَهَرَ وَانْكَشَفَ فَقَدْ ظَهَرَ كُفْرُ الْمُنَافِقِينَ ، وَظُهُورُ الْكُفْرِ مِنْهُمْ يَنْفِي كَوْنَهُمْ مُنَافِقِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَمْ يَحْصُلْ مَوْعُودُ اللَّهِ .
وَجَوَابُهُ : أَنَّهُ ظَهَرَ بِحَيْثُ يُفِيدُ الِامْتِيَازَ الظَّنِّيَّ ، لَا الِامْتِيَازَ الْقَطْعِيَّ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَكَمَ بِأَنْ يَظْهَرَ هَذَا التَّمْيِيزُ ، ثُمَّ بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ التَّمْيِيزُ بِأَنْ يُطْلِعَكُمُ اللَّهُ عَلَى غَيْبِهِ فَيَقُولُ إِنَّ فُلَانًا مُنَافِقٌ وَفُلَانًا مُؤْمِنٌ ، وَفُلَانًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفُلَانًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29692سُنَّةَ اللَّهِ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَوَامُّ النَّاسِ عَلَى غَيْبِهِ ، بَلْ لَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الِامْتِيَازِ إِلَّا بِالِامْتِحَانَاتِ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُقُوعِ الْمِحَنِ وَالْآفَاتِ ، حَتَّى يَتَمَيَّزَ عِنْدَهَا الْمُوَافِقُ مِنَ الْمُنَافِقِ ، فَأَمَّا مَعْرِفَةُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاطِّلَاعِ مِنَ الْغَيْبِ فَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ ، فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) أَيْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَصْطَفِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَخَصَّهُمْ بِإِعْلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا مُؤْمِنٌ وَهَذَا مُنَافِقٌ . وَيُحْتَمَلُ : وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَيَمْتَحِنُ خَلْقَهُ بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَيْدِيهِمْ حَتَّى يَتَمَيَّزَ الْفَرِيقَانِ بِالِامْتِحَانِ ، وَيُحْتَمَلَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : وَمَا كَانَ اللَّهُ
[ ص: 91 ] لِيَجْعَلَكُمْ كُلَّكُمْ عَالِمِينَ بِالْغَيْبِ مِنْ حَيْثُ يُعْلِمُ الرَّسُولَ حَتَّى تَصِيرُوا مُسْتَغْنِينَ عَنِ الرَّسُولِ ، بَلِ اللَّهُ يَخُصُّ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِالرِّسَالَةِ ، ثُمَّ يُكَلِّفُ الْبَاقِينَ طَاعَةَ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29378_28757_28758الْمُنَافِقِينَ طَعَنُوا فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوُقُوعِ الْحَوَادِثِ الْمَكْرُوهَةِ فِي قِصَّةِ
أُحُدٍ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ فِيهَا مَصَالِحُ ، مِنْهَا تَمْيِيزُ الْخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ ، فَلَمَّا أَجَابَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) يَعْنِي لَمَّا دَلَّتِ الدَّلَائِلُ عَلَى نُبُوَّتِهِ ، وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا فِي الطَّعْنِ فِي نُبُوَّتِهِ فَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهَا ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ : ( وَرُسُلِهِ ) وَلَمْ يَقُلْ : وَرَسُولِهِ لِدَقِيقَةٍ ، وَهِيَ أَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي بِهِ يُتَوَصَّلُ إِلَى الْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَيْسَ إِلَّا الْمُعْجِزُ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَبَ
nindex.php?page=treesubj&link=30172_28746الْإِقْرَارُ بِنُبُوَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، فَلِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ قَالَ : ( وَرُسُلِهِ ) وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ طَرِيقَ إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدٌ ، فَمَنْ أَقَرَّ بِنُبُوَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ بِنُبُوَّةِ الْكُلِّ ، وَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ قَرَنَ بِهِ الْوَعْدَ بِالثَّوَابِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ .