(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=184فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=184فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) .
في قوله : ( فإن كذبوك ) وجوه :
أحدها : فإن كذبوك في قولك إن الأنبياء المتقدمين جاءوا إلى هؤلاء
اليهود بالقربان الذي تأكله النار فكذبوهم وقتلوهم ، فقد كذب رسل من قبلك :
نوح وهود وصالح وإبراهيم وشعيب وغيرهم .
والثاني : أن المراد : إن كذبوك في أصل النبوة والشريعة فقد كذب رسل من قبلك ، ولعل هذا الوجه أوجه ، لأنه تعالى لم يخصص ، ولأن تكذيبهم في أصل النبوة أعظم ، ولأنه يدخل تحته التكذيب في ذلك الحجاج . والمقصود من هذا الكلام تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيان أن هذا التكذيب ليس أمرا مختصا به من بين سائر الأنبياء ، بل
nindex.php?page=treesubj&link=29435_29433شأن جميع الكفار تكذيب جميع الأنبياء والطعن فيهم ، مع أن حالهم في ظهور المعجزات عليهم وفي نزول الكتب إليهم كحالك ، ومع هذا فإنهم صبروا على ما نالهم من أولئك الأمم واحتملوا إيذاءهم في جنب تأدية الرسالة ، فكن متأسيا بهم سالكا مثل طريقتهم في هذا المعنى ، وإنما صار ذلك تسلية لأن المصيبة إذا عمت طابت وخفت ، فأما البينات فهي الحجج والمعجزات ، وأما الزبر فهي الكتب ، وهي جمع زبور ، والزبور الكتاب ، بمعنى المزبور أي المكتوب ، يقال زبرت الكتاب أي كتبته ، وكل كتاب زبور . قال
الزجاج : الزبور كل كتاب ذي حكمة ، وعلى هذا :
[ ص: 101 ] الأشبه أن يكون معنى الزبور من الزبر الذي هو الزجر ، يقال : زبرت الرجل إذا زجرته عن الباطل ، وسمي الكتاب زبورا لما فيه من الزبر عن خلاف الحق ، وبه سمي زبور
داود لكثرة ما فيه من الزواجر والمواعظ . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " وبالزبر " أعاد الباء للتأكيد ، وأما "المنير" فهو من قولك أنرت الشيء أي أوضحته ، وفي الآية مسألتان :
المسألة الأولى : المراد من البينات المعجزات ، ثم عطف عليها الزبر والكتاب ، وهذا يقتضي أن يقال إن معجزاتهم كانت مغايرة لكتبهم ، وذلك يدل على أن أحدا من الأنبياء ما كانت كتبهم معجزة لهم ، فالتوراة والإنجيل والزبور والصحف ما كان شيء منها معجزة ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28741_28752_31011_29629القرآن فهو وحده كتاب ومعجزة ، وهذا أحد خواص الرسول عليه الصلاة والسلام .
المسألة الثانية : عطف " الكتاب المنير " على " الزبر " مع أن الكتاب المنير لا بد وأن يكون من الزبر ، وإنما حسن هذا العطف لأن الكتاب المنير أشرف الكتب وأحسن الزبر ، فحسن العطف كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) [ الأحزاب : 7 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) [ البقرة : 98 ] ووجه زيادة الشرف فيه إما كونه مشتملا على جميع الشريعة ، أو كونه باقيا على وجه الدهر ، ويحتمل أن يكون المراد بالزبر : الصحف ، وبالكتاب المنير التوراة والإنجيل والزبور .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=184فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=184فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) .
فِي قَوْلِهِ : ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ ) وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : فَإِنْ كَذَّبُوكَ فِي قَوْلِكَ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ جَاءُوا إِلَى هَؤُلَاءِ
الْيَهُودِ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي تَأْكُلُهُ النَّارُ فَكَذَّبُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ ، فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ :
نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَشُعَيْبٌ وَغَيْرُهُمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ : إِنْ كَذَّبُوكَ فِي أَصْلِ النُّبُوَّةِ وَالشَّرِيعَةِ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ، وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ أَوْجَهُ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُخَصِّصْ ، وَلِأَنَّ تَكْذِيبَهُمْ فِي أَصْلِ النُّبُوَّةِ أَعْظَمُ ، وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَهُ التَّكْذِيبُ فِي ذَلِكَ الْحِجَاجِ . وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَسْلِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَيَانُ أَنَّ هَذَا التَّكْذِيبَ لَيْسَ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ، بَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=29435_29433شَأْنُ جَمِيعِ الْكُفَّارِ تَكْذِيبُ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالطَّعْنُ فِيهِمْ ، مَعَ أَنَّ حَالَهُمْ فِي ظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ عَلَيْهِمْ وَفِي نُزُولِ الْكُتُبِ إِلَيْهِمْ كَحَالِكَ ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُمْ صَبَرُوا عَلَى مَا نَالَهُمْ مِنْ أُولَئِكَ الْأُمَمِ وَاحْتَمَلُوا إِيذَاءَهُمْ فِي جَنْبِ تَأْدِيَةِ الرِّسَالَةِ ، فَكُنْ مُتَأَسِّيًا بِهِمْ سَالِكًا مِثْلَ طَرِيقَتِهِمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَإِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ تَسْلِيَةً لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ إِذَا عَمَّتْ طَابَتْ وَخَفَّتْ ، فَأَمَّا الْبَيِّنَاتُ فَهِيَ الْحُجَجُ وَالْمُعْجِزَاتُ ، وَأَمَّا الزُّبُرُ فَهِيَ الْكُتُبُ ، وَهِيَ جَمْعُ زَبُورٍ ، وَالزَّبُورُ الْكِتَابُ ، بِمَعْنَى الْمَزْبُورِ أَيِ الْمَكْتُوبَ ، يُقَالُ زَبَرْتُ الْكِتَابَ أَيْ كَتَبْتُهُ ، وَكُلُّ كِتَابٍ زَبُورٌ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : الزَّبُورُ كُلُّ كِتَابٍ ذِي حِكْمَةٍ ، وَعَلَى هَذَا :
[ ص: 101 ] الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الزَّبُورِ مِنَ الزَّبْرِ الَّذِي هُوَ الزَّجْرُ ، يُقَالُ : زَبَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا زَجَرْتَهُ عَنِ الْبَاطِلِ ، وَسُمِّيَ الْكِتَابُ زَبُورًا لِمَا فِيهِ مِنَ الزَّبْرِ عَنْ خِلَافِ الْحَقِّ ، وَبِهِ سُمِّيَ زَبُورُ
دَاوُدَ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ الزَّوَاجِرِ وَالْمَوَاعِظِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ " وَبِالزُّبُرِ " أَعَادَ الْبَاءَ لِلتَّأْكِيدِ ، وَأَمَّا "الْمُنِيرِ" فَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ أَنَرْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَوْضَحْتُهُ ، وَفِي الْآيَةِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْمُرَادُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ الْمُعْجِزَاتُ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا الزُّبُرَ وَالْكِتَابَ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ إِنَّ مُعْجِزَاتِهِمْ كَانَتْ مُغَايِرَةً لِكُتُبِهِمْ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا كَانَتْ كُتُبُهُمْ مُعْجِزَةً لَهُمْ ، فَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالصُّحُفُ مَا كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا مُعْجِزَةً ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28741_28752_31011_29629الْقُرْآنُ فَهُوَ وَحْدَهُ كِتَابٌ وَمُعْجِزَةٌ ، وَهَذَا أَحَدُ خَوَاصِّ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : عَطْفُ " الْكِتَابِ الْمُنِيرِ " عَلَى " الزُّبُرِ " مَعَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُنِيرَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الزُّبُرِ ، وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْعَطْفُ لِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُنِيرَ أَشْرَفُ الْكُتُبِ وَأَحْسَنُ الزُّبُرِ ، فَحَسُنَ الْعَطْفُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) [ الْأَحْزَابِ : 7 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) [ الْبَقَرَةِ : 98 ] وَوَجْهُ زِيَادَةِ الشَّرَفِ فِيهِ إِمَّا كَوْنُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ ، أَوْ كَوْنُهُ بَاقِيًا عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالزُّبُرِ : الصُّحُفَ ، وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ .