[ ص: 120 ]   ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد    ) 
قوله تعالى حكاية عنهم : ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد    ) . 
وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قوله : ( وآتنا ما وعدتنا على رسلك    )  فيه حذف المضاف ثم فيه وجوه : 
أحدها : وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك . 
وثانيها : وآتنا ما وعدتنا على تصديق رسلك ، والدليل عليه أن هذه الآية مذكورة عقيب ذكر المنادي للإيمان وهو الرسول وعقيب قوله : ( فآمنا    ) وهو التصديق . 
المسألة الثانية : ههنا سؤال : وهو أن الخلف في وعد الله محال ، فكيف طلبوا بالدعاء ما علموا أنه لا محالة واقع ؟ 
والجواب عنه من وجوه : 
الأول : أنه ليس المقصود من الدعاء طلب الفعل ، بل المقصود منه إظهار الخضوع والذلة والعبودية ، وقد أمرنا بالدعاء في أشياء نعلم قطعا أنها توجد لا محالة ، كقوله : ( قال رب احكم بالحق    ) [ الأنبياء : 112 ] وقوله : ( فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك    ) [ غافر : 7 ] . 
والوجه الثاني في الجواب : أن وعد الله لا يتناول آحاد الأمة بأعيانهم ، بل إنما يتناولهم بحسب أوصافهم ، فإنه تعالى وعد المتقين بالثواب ، ووعد الفساق بالعقاب ، فقوله : ( وآتنا ما وعدتنا    ) معناه : وفقنا للأعمال التي بها نصير أهلا لوعدك ، واعصمنا من الأعمال التي نصير بها أهلا للعقاب والخزي ، وعلى هذا التقدير يكون المقصود من هذه الآية طلب التوفيق للطاعة والعصمة عن المعصية . 
الوجه الثالث : أن الله تعالى وعد المؤمنين بأن ينصرهم في الدنيا ويقهر عدوهم ، فهم طلبوا تعجيل ذلك ، وعلى هذا التقدير يزول الإشكال . 
المسألة الثالثة : الآية دلت على أنهم إنما طلبوا منافع الآخرة بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق لأنهم قالوا : ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ، وفي آخر الكلام قالوا : ( إنك لا تخلف الميعاد    ) وهذا يدل على أن المقتضي لحصول منافع الآخرة هو الوعد لا الاستحقاق . 
المسألة الرابعة : ههنا سؤال آخر : وهو أنه متى حصل الثواب كان اندفاع العقاب لازما لا محالة ، فقوله : ( وآتنا ما وعدتنا على رسلك    ) طلب للثواب ، فبعد طلب الثواب كيف طلب ترك العقاب وهو قوله : ( ولا تخزنا يوم القيامة    ) بل لو طلب ترك العقاب أولا ثم طلب إيصال الثواب كان الكلام مستقيما ؟ . 
والجواب من وجهين : 
الأول : أن الثواب شرطه أن يكون منفعة مقرونة بالتعظيم والسرور ، فقوله : ( وآتنا ما وعدتنا على رسلك    ) المراد منه المنافع ، وقوله : ( ولا تخزنا    ) المراد منه التعظيم . 
الثاني : أنا قد بينا أن المقصود من هذه الآية طلب التوفيق على الطاعة والعصمة عن المعصية ، وعلى هذا التقدير يحسن النظم كأنه قيل : وفقنا للطاعات ، وإذا وفقتنا لها فاعصمنا عما يبطلها ويزيلها ويوقعنا في الخزي والهلاك ، والحاصل كأنه قيل : وفقنا لطاعتك فإنا لا نقدر على شيء من الطاعات إلا بتوفيقك ، وإذا   [ ص: 121 ] وفقت لفعلها فوفقنا لاستبقائها فإنا لا نقدر على استبقائها واستدامتها إلا بتوفيقك ، وهو إشارة إلى أن العبد لا يمكنه عمل من الأعمال ، ولا فعل من الأفعال ، ولا لمحة ولا حركة إلا بإعانة الله وتوفيقه . 
المسألة الخامسة : قوله : ( ولا تخزنا يوم القيامة    ) شبيه بقوله : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون    ) [ الزمر : 47 ] فإنه ربما ظن الإنسان أنه على الاعتقاد الحق والعمل الصالح ، ثم إنه يوم القيامة يظهر له أن اعتقاده كان ضلالا وعمله كان ذنبا ، فهناك تحصل الخجالة العظيمة والحسرة الكاملة والأسف الشديد ، ثم قال حكماء الإسلام : وذلك هو العذاب الروحاني . قالوا : وهذا العذاب أشد من العذاب الجسماني ، ومما يدل على أنه سبحانه حكى عن هؤلاء العباد المؤمنين أنهم طلبوا في هذا الدعاء أشياء ، فأول مطالبهم الاحتراز عن العذاب الجسماني وهو قوله : ( فقنا عذاب النار    ) وآخرها الاحتراز عن العذاب الروحاني وهو قوله : ( ولا تخزنا يوم القيامة    ) وذلك يدل على أن العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني    . 
				
						
						
