ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12من بعد وصية يوصى بها أو دين ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي جواز الوصية بكل المال وبأي بعض أريد ، ومما يوافق هذه الآية من الأحاديث ما روى
نافع عن
ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012288ما حق امرئ مسلم له مال يوصي به ثم تمضي عليه ليلتان إلا ووصيته مكتوبة عنده " فهذا الحديث أيضا يدل على الإطلاق في الوصية كيف أريد ، إلا أنا نقول : هذه العمومات مخصوصة من وجهين :
الأول : في
nindex.php?page=treesubj&link=14255قدر الوصية ، فإنه لا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=14255_23285الوصية بكل المال بدلالة القرآن والسنة ، أما القرآن فالآيات الدالة على الميراث مجملا ومفصلا ، أما المجمل فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ) ومعلوم أن الوصية بكل المال تقتضي نسخ هذا النص ، وأما المفصل فهي آيات المواريث كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11للذكر مثل حظ الأنثيين ) ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ) وأما السنة فهي الحديث المشهور في هذا الباب ، وهو
[ ص: 182 ] قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012289الثلث والثلث كثير إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " .
واعلم أن هذا الحديث يدل على أحكام : أحدها : أن الوصية غير جائزة في أكثر من الثلث .
وثانيها : أن الأولى النقصان عن الثلث لقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012290والثلث كثير "
وثالثها : أنه إذا ترك القليل من المال وورثته فقراء فالأفضل له أن لا يوصي بشيء لقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012291إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " .
ورابعها : فيه دلالة على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=14255الوصية بجميع المال إذا لم يكن له وارث ؛ لأن المنع منه لأجل الورثة ، فعند عدمهم وجب الجواز .
الوجه الثاني : تخصيص عموم هذه الآية في الموصى له ، وذلك لأنه لا يجوز الوصية لوارث ، قال عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011552ألا لا وصية لوارث " .
المسألة الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمة الله عليه : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=3838_30494_3275_3058أخر الزكاة والحج حتى مات يجب إخراجهما من التركة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يجب ، حجة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أن الزكاة الواجبة والحج الواجب دين فيجب إخراجه بهذه الآية ، وإنما قلنا : إنه دين ؛ لأن اللغة تدل عليه ، والشرع أيضا يدل عليه ، أما اللغة فهو أن الدين عبارة عن الأمر الموجب للانقياد ، قيل في الدعوات المشهورة ؛ يا من دانت له الرقاب ، أي انقادت ، وأما الشرع فلأنه روي أن
الخثعمية لما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحج الذي كان على أبيها ، فقال عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012292أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزئ ؟ فقالت : نعم ، فقال عليه الصلاة والسلام : فدين الله أحق أن يقضى " إذا ثبت أنه دين وجب تقديمه على الميراث لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12من بعد وصية يوصى بها أو دين ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر الرازي : المذكور في الآية الدين المطلق ، والنبي صلى الله عليه وسلم سمى الحج دينا لله ، والاسم المطلق لا يتناول المقيد .
قلنا : هذا في غاية الركاكة ؛ لأنه لما ثبت أن هذا دين ، وثبت بحكم الآية أن الدين مقدم على الميراث لزم المقصود لا محالة ، وحديث الإطلاق والتقييد كلام مهمل لا يقدح في هذا المطلوب . والله أعلم .
المسألة الثالثة : اعلم أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12غير مضار ) نصب على الحال ، أي يوصي بها وهو غير مضار لورثته .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=27961_14255الضرار في الوصية يقع على وجوه :
أحدها : أن يوصي بأكثر من الثلث .
وثانيها : أن يقر بكل ماله أو ببعضه لأجنبي .
وثالثها : أن يقر على نفسه بدين لا حقيقة له دفعا للميراث عن الورثة .
ورابعها : أن يقر بأن الدين الذي كان له على غيره قد استوفاه ووصل إليه .
وخامسها : أن يبيع شيئا بثمن بخس أو يشتري شيئا بثمن غال ، كل ذلك لغرض أن لا يصل المال إلى الورثة .
وسادسها : أن يوصي بالثلث لا لوجه الله لكن لغرض تنقيص حقوق الورثة ، فهذا هو وجه الإضرار في الوصية .
واعلم أن العلماء قالوا : الأولى أن يوصي بأقل من الثلث ، قال
علي : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع . ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص ، وقبض
أبو بكر فوصى ، فإن أوصى الإنسان فحسن ، وإن لم يوص فحسن أيضا .
[ ص: 183 ] واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=14255_33599_27158الأولى بالإنسان أن ينظر في قدر ما يخلف ومن يخلف ، ثم يجعل وصيته بحسب ذلك ، فإن كان ماله قليلا وفي الورثة كثرة لم يوص ، وإن كان في المال كثرة أوصى بحسب المال وبحسب حاجتهم بعده في القلة والكثرة . والله أعلم .
المسألة الرابعة : روى
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال :
nindex.php?page=treesubj&link=27961_27530الإضرار في الوصية من الكبائر . واعلم أنه يدل على ذلك القرآن والسنة والمعقول ، أما القرآن فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=13تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الوصية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=14ومن يعص الله ورسوله ) قال في الوصية ، وأما السنة فروى
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012293الإضرار في الوصية من الكبائر " وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012294إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة وجار في وصيته ختم له بشر عمله فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة " وقال عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012295من قطع ميراثا فرضه الله قطع الله ميراثه من الجنة " ومعلوم أن الزيادة في الوصية قطع من الميراث .
وأما المعقول فهو أن مخالفة أمر الله عند القرب من الموت يدل على جراءة شديدة على الله تعالى ، وتمرد عظيم عن الانقياد لتكاليفه ، وذلك من أكبر الكبائر .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْوَصِيَّةِ بِكُلِّ الْمَالِ وَبِأَيِّ بَعْضٍ أُرِيدَ ، وَمِمَّا يُوَافِقُ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا رَوَى
نَافِعٌ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012288مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُوصِي بِهِ ثُمَّ تَمْضِي عَلَيْهِ لَيْلَتَانِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ " فَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ كَيْفَ أُرِيدَ ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ : هَذِهِ الْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=14255قَدْرِ الْوَصِيَّةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=14255_23285الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ الْمَالِ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِيرَاثِ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا ، أَمَّا الْمُجْمَلُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِكُلِّ الْمَالِ تَقْتَضِي نَسْخَ هَذَا النَّصِّ ، وَأَمَّا الْمُفَصَّلُ فَهِيَ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ) وَأَمَّا السُّنَّةُ فَهِيَ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَهُوَ
[ ص: 182 ] قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012289الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ إِنْ تَتْرُكْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ " .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَحْكَامٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْأَوْلَى النُّقْصَانُ عَنِ الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012290وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ "
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْقَلِيلَ مِنَ الْمَالِ وَوَرَثَتُهُ فُقَرَاءُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ لَا يُوصِيَ بِشَيْءٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012291إِنْ تَتْرُكْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ " .
وَرَابِعُهَا : فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=14255الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِأَجْلِ الْوَرَثَةِ ، فَعِنْدَ عَدَمِهِمْ وَجَبَ الْجَوَازُ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : تَخْصِيصُ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْمُوصَى لَهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011552أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=3838_30494_3275_3058أَخَّرَ الزَّكَاةَ وَالْحَجَّ حَتَّى مَاتَ يَجِبُ إِخْرَاجُهُمَا مِنَ التَّرِكَةِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا يَجِبُ ، حُجَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ : أَنَّ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ وَالْحَجَّ الْوَاجِبَ دَيْنٌ فَيَجِبُ إِخْرَاجُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّهُ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَالشَّرْعُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، أَمَّا اللُّغَةُ فَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَمْرِ الْمُوجِبِ لِلِانْقِيَادِ ، قِيلَ فِي الدَّعَوَاتِ الْمَشْهُورَةِ ؛ يَا مَنْ دَانَتْ لَهُ الرِّقَابُ ، أَيِ انْقَادَتْ ، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَلِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ
الْخَثْعَمِيَّةَ لَمَّا سَأَلَتِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَجِّ الَّذِي كَانَ عَلَى أَبِيهَا ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012292أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُجْزِئُ ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى " إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمِيرَاثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ : الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الدَّيْنُ الْمُطْلَقُ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى الْحَجَّ دَيْنًا لِلَّهِ ، وَالِاسْمُ الْمُطْلَقُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُقَيَّدَ .
قُلْنَا : هَذَا فِي غَايَةِ الرَّكَاكَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا دَيْنٌ ، وَثَبَتَ بِحُكْمِ الْآيَةِ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ لَزِمَ الْمَقْصُودُ لَا مَحَالَةَ ، وَحَدِيثُ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ كَلَامٌ مُهْمَلٌ لَا يَقْدَحُ فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12غَيْرَ مُضَارٍّ ) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ ، أَيْ يُوصِي بِهَا وَهُوَ غَيْرَ مُضَارٍّ لِوَرَثَتِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27961_14255الضِّرَارَ فِي الْوَصِيَّةِ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يُقِرَّ بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ لِأَجْنَبِيٍّ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِدَيْنٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ دَفْعًا لِلْمِيرَاثِ عَنِ الْوَرَثَةِ .
وَرَابِعُهَا : أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ قَدِ اسْتَوْفَاهُ وَوَصَلَ إِلَيْهِ .
وَخَامِسُهَا : أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَوْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِثَمَنٍ غَالٍ ، كُلُّ ذَلِكَ لِغَرَضِ أَنْ لَا يَصِلَ الْمَالُ إِلَى الْوَرَثَةِ .
وَسَادِسُهَا : أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ لَا لِوَجْهِ اللَّهِ لَكِنْ لِغَرَضِ تَنْقِيصِ حُقُوقِ الْوَرَثَةِ ، فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْإِضْرَارِ فِي الْوَصِيَّةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا : الْأَوْلَى أَنْ يُوصِيَ بِأَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ ، قَالَ
عَلِيٌّ : لَأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الرُّبُعِ . وَلَأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلُثِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12354النَّخَعِيُّ : قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُوصِ ، وَقُبِضَ
أَبُو بَكْرٍ فَوَصَّى ، فَإِنْ أَوْصَى الْإِنْسَانُ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَحَسَنٌ أَيْضًا .
[ ص: 183 ] وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=14255_33599_27158الْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ أَنْ يَنْظُرَ فِي قَدْرِ مَا يَخْلُفُ وَمَنْ يَخْلُفُ ، ثُمَّ يَجْعَلُ وَصِيَّتَهُ بِحَسَبِ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ قَلِيلًا وَفِي الْوَرَثَةِ كَثْرَةٌ لَمْ يُوصِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ كَثْرَةٌ أَوْصَى بِحَسَبِ الْمَالِ وَبِحَسَبِ حَاجَتِهِمْ بَعْدَهُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : رَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=27961_27530الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=13تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْوَصِيَّةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=14وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَرَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012293الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ " وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012294إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً وَجَارَ فِي وَصِيَّتِهِ خُتِمَ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ " وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012295مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا فَرَضَهُ اللَّهُ قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنَ الْجَنَّةِ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْوَصِيَّةِ قَطْعٌ مِنَ الْمِيرَاثِ .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِ اللَّهِ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنَ الْمَوْتِ يَدُلُّ عَلَى جَرَاءَةٍ شَدِيدَةٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَمَرُّدٍ عَظِيمٍ عَنِ الِانْقِيَادِ لِتَكَالِيفِهِ ، وَذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ .