ثم قال تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83nindex.php?page=treesubj&link=28975_22338ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) .

[ ص: 159 ] وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83أولي الأمر ) قولان :

أحدهما : إلى ذوي العلم والرأي منهم .

والثاني : إلى أمراء السرايا ، وهؤلاء رجحوا هذا القول على الأول ، قالوا لأن أولي الأمر الذين لهم أمر على الناس ، وأهل العلم ليسوا كذلك ، وإنما الأمراء هم الموصوفون بأن لهم أمرا على الناس .

وأجيب عنه : بأن العلماء إذا كانوا عالمين بأوامر الله ونواهيه ، وكان يجب على غيرهم قبول قولهم لم يبعد أن يسموا أولي الأمر من هذا الوجه ، والذي يدل عليه قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) [ التوبة : 122 ] فأوجب الحذر بإنذارهم وألزم المنذرين قبول قولهم ، فجاز لهذا المعنى إطلاق اسم أولي الأمر عليهم .

المسألة الثانية : nindex.php?page=treesubj&link=34080الاستنباط في اللغة الاستخراج ؛ يقال : استنبط الفقيه إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه ، وأصله من النبط وهو الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر ، والنبط إنما سموا نبطا لاستنباطهم الماء من الأرض .

المسألة الثالثة : في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83الذين يستنبطونه منهم ) قولان :

الأول : أنهم هم أولئك المنافقون المذيعون ، والتقدير : ولو أن هؤلاء المنافقين المذيعين ردوا الأمن والخوف إلى الرسول وإلى أولي الأمر ، وطلبوا معرفة الحال فيه من جهتهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، وهم هؤلاء المنافقون المذيعون منهم ، أي من جانب الرسول ومن جانب أولي الأمر .

القول الثاني : أنهم طائفة من أولي الأمر ، والتقدير : ولو أن المنافقين ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر لكان علمه حاصلا عند من يستنبط هذه الوقائع من أولي الأمر ، وذلك لأن أولي الأمر فريقان ، بعضهم من يكون مستنبطا ، وبعضهم من لا يكون كذلك ، فقوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83منهم ) يعني لعلمه الذين يستنبطون المخفيات من طوائف أولي الأمر .

فإن قيل : إذا كان الذين أمرهم الله برد هذه الأخبار إلى الرسول وإلى أولي الأمر هم المنافقون ، فكيف جعل أولي الأمر منهم في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83وإلى أولي الأمر منهم ) ؟ .

قلنا : إنما جعل أولي الأمر منهم على حسب الظاهر ، لأن المنافقين يظهرون من أنفسهم أنهم يؤمنون ، ونظيره قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وإن منكم لمن ليبطئن ) وقوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ما فعلوه إلا قليل منهم ) [النساء : 66 ] والله أعلم .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83nindex.php?page=treesubj&link=28975_22338وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) .

[ ص: 159 ] وَفِيهِ مَسَائِلُ :

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83أُولِي الْأَمْرِ ) قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : إِلَى ذَوِي الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ مِنْهُمْ .

وَالثَّانِي : إِلَى أُمَرَاءِ السَّرَايَا ، وَهَؤُلَاءِ رَجَّحُوا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى الْأَوَّلِ ، قَالُوا لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ لَهُمْ أَمْرٌ عَلَى النَّاسِ ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ لَيْسُوا كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الْأُمَرَاءُ هُمُ الْمَوْصُوفُونَ بِأَنَّ لَهُمْ أَمْرًا عَلَى النَّاسِ .

وَأُجِيبَ عَنْهُ : بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ إِذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِأَوَامِرِ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ قَبُولُ قَوْلِهِمْ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُسَمَّوْا أُولِي الْأَمْرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) [ التَّوْبَةِ : 122 ] فَأَوْجَبَ الْحَذَرَ بِإِنْذَارِهِمْ وَأَلْزَمَ الْمُنْذَرِينَ قَبُولَ قَوْلِهِمْ ، فَجَازَ لِهَذَا الْمَعْنَى إِطْلَاقُ اسْمِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : nindex.php?page=treesubj&link=34080الِاسْتِنْبَاطُ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِخْرَاجُ ؛ يُقَالُ : اسْتَنْبَطَ الْفَقِيهُ إِذَا اسْتَخْرَجَ الْفِقْهَ الْبَاطِنَ بِاجْتِهَادِهِ وَفَهْمِهِ ، وَأَصْلُهُ مِنَ النَّبْطِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْبِئْرِ أَوَّلَ مَا تُحْفَرُ ، وَالنَّبَطُ إِنَّمَا سُمُّوا نَبَطًا لِاسْتِنْبَاطِهِمُ الْمَاءَ مِنَ الْأَرْضِ .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) قَوْلَانِ :

الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ هُمْ أُولَئِكَ الْمُنَافِقُونَ الْمُذِيعُونَ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الْمُذِيعِينَ رَدُّوا الْأَمْنَ وَالْخَوْفَ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ ، وَطَلَبُوا مَعْرِفَةَ الْحَالِ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْمُذِيعُونَ مِنْهُمْ ، أَيْ مِنْ جَانِبِ الرَّسُولِ وَمِنْ جَانِبِ أُولِي الْأَمْرِ .

الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَلَوْ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ لَكَانَ عِلْمُهُ حَاصِلًا عِنْدَ مَنْ يَسْتَنْبِطُ هَذِهِ الْوَقَائِعَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ فَرِيقَانِ ، بَعْضُهُمْ مَنْ يَكُونُ مُسْتَنْبِطًا ، وَبَعْضُهُمْ مَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ، فَقَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83مِنْهُمْ ) يَعْنِي لِعِلْمِهِ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ الْمَخْفِيَّاتِ مِنْ طَوَائِفِ أُولِي الْأَمْرِ .

فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بَرَدِّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ ، فَكَيْفَ جَعَلَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ) ؟ .

قُلْنَا : إِنَّمَا جَعَلَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ عَلَى حَسَبِ الظَّاهِرِ ، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ ) وَقَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ) [النِّسَاءِ : 66 ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ .