أما قوله : الله ، فاعلموا أيها الناس أني أقول طول حياتي : الله ، فإذا مت أقول : الله ، وإذا سئلت في القبر أقول : الله ، وإذا جئت يوم القيامة أقول : الله ، وإذا أخذت الكتاب أقول : الله ، وإذا وزنت أعمالي أقول : الله ، وإذا جزت الصراط أقول : الله ، وإذا دخلت الجنة أقول : الله ، وإذا رأيت الله قلت : الله . 
النكتة الثالثة عشرة : الحكمة في ذكر هذه الأسماء الثلاثة أن المخاطبين في القرآن ثلاثة أصناف كما قال تعالى : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات    ) [ فاطر : 32 ] فقال : أنا الله   [ ص: 143 ] للسابقين ، الرحمن للمقتصدين ، الرحيم للظالمين ، وأيضا الله هو معطي العطاء ، والرحمن هو المتجاوز عن زلات الأولياء ، والرحيم هو المتجاوز عن الجفاء ، ومن كمال رحمته  كأنه تعالى يقول : أعلم منك ما لو علمه أبواك لفارقاك ، ولو علمته المرأة لجفتك ، ولو علمته الأمة لأقدمت على الفرار منك ، ولو علمه الجار لسعى في تخريب الدار ، وأنا أعلم كل ذمك وأستره بكرمي ؛ لتعلم أني إله كريم . 
الرابعة عشرة : الله يوجب ولايته  ؛ قال الله تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا    ) [ البقرة : 257 ] والرحمن يوجب محبته  ، قال الله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا    ) [ مريم : 96 ] والرحيم يوجب رحمته    ( وكان بالمؤمنين رحيما    ) [ الأحزاب : 43 ] . 
الخامسة عشرة : قال عليه الصلاة والسلام :   " من رفع قرطاسا من الأرض فيه " بسم الله الرحمن الرحيم " إجلالا له تعالى ، كتب عند الله من الصديقين ، وخفف عن والديه وإن كانا مشركين "   . وقصة بشر الحافي  في هذا الباب معروفة ، وعن  أبي هريرة  أنه عليه الصلاة والسلام قال : يا أبا هريرة  ، إذا توضأت فقل : بسم الله  ؛ فإن حفظتك لا تبرح أن تكتب لك الحسنات حتى تفرغ ، وإذا غشيت أهلك فقل : بسم الله  ، فإن حفظتك يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل من الجنابة ، فإن حصل من تلك الواقعة ولد ، كتب لك من الحسنات بعدد نفس ذلك الولد وبعدد أنفاس أعقابه إن كان له عقب ، حتى لا يبقى منهم أحد ، يا أبا هريرة  إذا ركبت دابة فقل : بسم الله  ، والحمد لله ؛ يكتب لك الحسنات بعدد كل خطوة ، وإذا ركبت السفينة فقل : بسم الله ، والحمد لله ؛ يكتب لك الحسنات حتى تخرج منها   . وعن  أنس بن مالك  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا نزعوا ثيابهم  أن يقولوا : بسم الله الرحمن الرحيم   . والإشارة فيه أنه إذا صار هذا الاسم حجابا بينك وبين أعدائك من الجن في الدنيا ، أفلا يصير حجابا بينك وبين الزبانية في العقبى ؟ 
السادسة عشرة : كتب قيصر  إلى عمر  رضي الله عنه أن بي صداعا لا يسكن ، فابعث لي دواء ، فبعث إليه عمر  قلنسوة ، فكان إذا وضعها على رأسه يسكن صداعه ، وإذا رفعها عن رأسه عاوده الصداع ، فعجب منه ، ففتش القلنسوة ، فإذا فيها كاغد مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم . 
السابعة عشرة : قال صلى الله عليه وسلم : من توضأ ولم يذكر اسم الله تعالى كان طهورا لتلك الأعضاء ، ومن توضأ وذكر اسم الله تعالى كان طهورا لجميع بدنه   . فإذا كان الذكر على الوضوء طهورا لكل البدن  ، فذكره عن صميم القلب أولى أن يكون طهورا للقلب عن الكفر والبدعة . 
الثامنة عشرة : طلب بعضهم آية من  خالد بن الوليد  فقال : إنك تدعي الإسلام ، فأرنا آية لنسلم  ، فقال : ائتوني بالسم القاتل ، فأتي بطاس من السم ، فأخذها بيده وقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، وأكل الكل ، وقام سالما بإذن الله تعالى ، فقال المجوس : هذا دين حق   . 
التاسعة عشرة : مر عيسى ابن مريم  عليه السلام على قبر ، فرأى ملائكة العذاب يعذبون ميتا ، فلما انصرف من حاجته مر على القبر ، فرأى ملائكة الرحمة معهم أطباق من نور ، فتعجب من ذلك ، فصلى ودعا الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إليه : يا عيسى  ، كان هذا العبد عاصيا ، ومذ مات كان محبوسا في عذابي ، وكان قد ترك امرأة حبلى فولدت ولدا وربته حتى كبر ، فسلمته إلى الكتاب ، فلقنه المعلم بسم الله الرحمن الرحيم ، فاستحييت من عبدي أن أعذبه بناري في بطن الأرض وولده يذكر اسمي على وجه الأرض    . 
 [ ص: 144 ] العشرون : سئلت عمرة الفرغانية    - وكانت من كبار العارفات - : ما الحكمة في أن الجنب والحائض منهيان عن قراءة القرآن دون التسمية  ؟ فقالت : لأن التسمية ذكر اسم الحبيب ، والحبيب لا يمنع من ذكر الحبيب . 
الحادية والعشرون : قيل في قوله : " الرحيم " هو تعالى رحيم بهم في ستة مواضع ، في القبر وحشراته ، والقيامة وظلماته ، والميزان ودرجاته ، وقراءة الكتاب وفزعاته ، والصراط ومخافاته ، والنار ودركاته . 
الثانية والعشرون : كتب عارف " بسم الله الرحمن الرحيم " وأوصى أن تجعل في كفنه ، فقيل له : أي فائدة لك فيه ، فقال : أقول يوم القيامة : إلهي بعثت كتابا وجعلت عنوانه : بسم الله الرحمن الرحيم ، فعاملني بعنوان كتابك . 
الثالثة والعشرون : قيل : " بسم الله الرحمن الرحيم " تسعة عشر حرفا  ، وفيه فائدتان : إحداهما : أن الزبانية تسعة عشر ، فالله تعالى يدفع بأسهم بهذه الحروف التسعة عشر ، الثانية : خلق الله تعالى الليل والنهار أربعة وعشرين ساعة ، ثم فرض خمس صلوات في خمس ساعات ، فهذه الحروف التسعة عشر تقع كفارات للذنوب التي تقع في تلك الساعات التسعة عشر . 
الرابعة والعشرون : لما كانت سورة التوبة مشتملة على الأمر بالقتال ، لم يكتب في أولها " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وأيضا السنة أن يقال عند الذبح : " باسم الله والله أكبر " ولا يقال : " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ لأن وقت القتال والقتل لا يليق به ذكر الرحمن الرحيم  ، فلما وفقك لذكر هذه الكلمة في كل يوم سبع عشرة مرة في الصلوات المفروضة دل ذلك على أنه ما خلقك للقتل والعذاب ، وإنما خلقك للرحمة والفضل والإحسان ، والله تعالى الهادي إلى الصواب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					