[ ص: 161 ] واعلم أن هذه المسألة تشتمل على ثلاث مسائل : إحداها : أن هذه المسألة هل هي مسألة اجتهادية حتى يجوز الاستدلال فيها بالظواهر وأخبار الآحاد ، أو ليست من المسائل الاجتهادية ، بل هي من المسائل القطعية .
وثانيتها : أن بتقدير أنها من المسائل الاجتهادية فما الحق فيها ؟
وثالثتها : الكلام في أنها تقرأ بالإعلان أو بالإسرار ، فلنتكلم في هذه المسائل الثلاث .
المسألة الخامسة : في تقرير أن هذه المسألة ليست من المسائل القطعية ، وزعم القاضي أبو بكر أنها من المسائل القطعية ، قال : والخطأ فيها إن لم يبلغ إلى حد التكفير فلا أقل من التفسيق ، واحتج عليه بأن التسمية لو كانت من القرآن لكان طريق إثباته إما التواتر أو الآحاد ، والأول باطل ؛ لأنه لو ثبت بالتواتر لحصل العلم الضروري بأنها من القرآن ، ولو كانت كذلك لامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة . والثاني أيضا باطل ؛ لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن ، فلو جعلناه طريقا إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ، ولصار ذلك ظنيا ، ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض في أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف ، وذلك يبطل الإسلام . كون التسمية من القرآن
واعلم أن الشيخ عارض القاضي فقال : نفي كون التسمية من القرآن إن ثبت بالتواتر لزم أن لا يبقى الخلاف ، وإن ثبت بالآحاد فحينئذ يصير القرآن ظنيا ، ثم أورد على نفسه سؤالا وهو أنه لو قال قائل : " ليس من القرآن " عدم فلا حاجة في إثبات هذا العدم إلى النقل ؛ لأن الأصل هو العدم ، وأما قولنا : " إنه قرآن " فهو ثبوت ، فلا بد فيه من النقل ، ثم أجاب عنه بأن قال : هذا وإن كان عدما إلا أن كون التسمية مكتوبة بخط القرآن يوهم كونها من القرآن ، فهاهنا لا يمكننا الحكم بأنها ليست من القرآن إلا بدليل منفصل ، وحينئذ يعود التقسيم المذكور من أن الطريق إما أن يكون تواترا أو آحادا ، فثبت أن الكلام الذي أورده القاضي لازم عليه ، فهذا آخر ما قيل في هذا الباب . الغزالي
والذي عندي فيه أن النقل المتواتر ثابت بأن بسم الله الرحمن الرحيم كلام أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وبأنه مثبت في المصحف بخط القرآن ، وعند هذا ظهر أنه لم يبق لقولنا إنه من القرآن أو ليس من القرآن فائدة ، إلا أنه حصل فيها أحكام شرعية هي من خواص القرآن ، مثل أنه هل يجب قراءتها في الصلاة أم لا ، وهل يجوز للجنب قراءتها أم لا ، وهل يجوز للمحدث مسها أم لا ، ومعلوم أن هذه الأحكام اجتهادية ، فلما رجع حاصل قولنا إن التسمية هل هي من القرآن إلى ثبوت هذه الأحكام وعدمها ، وثبت أن ثبوت هذه الأحكام وعدمها أمور اجتهادية ظهر أن البحث اجتهادي لا قطعي ، وسقط تهويل القاضي .