المسألة الثالثة : اعلم أن هذه الآية أصل كبير معتبر في الشرع ، وهو أن الأصل في المضار أن لا تكون مشروعة ، ويدل عليه هذه الآية فإنه تعالى قال : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ( الحج : 78 ) ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ( البقرة : 185 ) ويدل عليه من الأحاديث قوله عليه السلام : " " ويدل عليه أيضا أن دفع الضرر مستحسن في العقول فوجب أن يكون الأمر كذلك في الشرع لقوله عليه السلام : " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " وأما بيان أن ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن فوجوه : الأصل في المنافع الإباحة
أحدها : قوله تعالى : ( خلق لكم ما في الأرض جميعا ) ( البقرة : 29 ) .
وثانيها : قوله : ( أحل لكم الطيبات ) ( المائدة : 4 ) وقد بينا أن المراد من الطيبات المستلذات والأشياء التي ينتفع بها ، وإذا ثبت هذان الأصلان فعند هذا قال نفاة القياس : لا حاجة البتة أصلا إلى القياس في الشرع ؛ لأن كل حادثة تقع فحكمها المفصل إن كان مذكورا في الكتاب والسنة فذاك هو المراد ، وإن لم يكن كذلك ، فإن كان من باب المضار حرمناه بالدلائل الدالة على أن الأصل في المضار الحرمة ، وإن كان من باب المنافع أبحناه بالدلائل الدالة على إباحة المنافع ، وليس لأحد أن يقدح في هذين الأصلين بشيء من الأقيسة ؛ لأن القياس المعارض لهذين [ ص: 140 ] الأصلين يكون قياسا واقعا في مقابلة النص ، وأنه مردود فكان باطلا .