( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون    ) 
قوله تعالى : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون    ) 
في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : قال بعضهم : الحسنة قول لا إله إلا الله ، والسيئة هي الشرك ، وهذا بعيد ، بل يجب أن يكون محمولا على العموم إما تمسكا باللفظ ، وإما لأجل أنه حكم مرتب على وصف مناسب له : فيقتضي كون الحكم معللا بذلك الوصف . فوجب أن يعم لعموم العلة . 
المسألة الثانية : قال الواحدي    -رحمه الله- : حذفت الهاء من عشر ، والأمثال جمع مثل ، والمثل مذكر ؛ لأنه أريد عشر حسنات أمثالها ، ثم حذفت الحسنات وأقيمت الأمثال التي هي صفتها مقامها ، وحذف الموصوف كثير في الكلام ، ويقوي هذا قراءة من قرأ ( عشر أمثالها ) بالرفع والتنوين . 
المسألة الثالثة : مذهبنا أن الثواب تفضل من الله تعالى في الحقيقة  ، وعلى هذا التقدير فلا إشكال في الآية ، أما المعتزلة  فهم فرقوا بين الثواب والتفضل بأن الثواب هو المنفعة المستحقة ، والتفضل هو المنفعة التي لا تكون مستحقة ، ثم إنهم على تفريع مذاهبهم اختلفوا . فقال بعضهم : هذه العشرة تفضل ، والثواب غيرها  ، وهو قول الجبائي  ، قال : لأنه لو كان الواحد ثوابا ، وكانت التسعة تفضلا لزم أن يكون الثواب دون التفضل ، وذلك لا   [ ص: 9 ] يجوز ، لأنه لو جاز أن يكون التفضل مساويا للثواب في الكثرة والشرف ، لم يبق في التكليف فائدة أصلا فيصير عبثا وقبيحا ، ولما بطل ذلك علمنا أن الثواب يجب أن يكون أعظم في القدر وفي التعظيم من التفضل . 
وقال آخرون : لا يبعد أن يكون الواحد من هذه التسعة ثوابا ، وتكون التسعة الباقية تفضلا ، إلا أن ذلك الواحد يكون أوفر وأعظم وأعلى شأنا من التسعة الباقية . 
المسألة الرابعة : قال بعضهم : التقدير بالعشرة ليس المراد منه التحديد ، بل أراد الأضعاف مطلقا ، كقول القائل : لئن أسديت إلي معروفا لأكافئنك بعشر أمثاله ، وفي الوعيد يقال : لئن كلمتني واحدة لأكلمنك عشرا ، ولا يريد التحديد فكذا ههنا . والدليل على أنه لا يمكن حمله على التحديد ، قوله تعالى : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء    ) . 
ثم قال تعالى : ( ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها    ) أي الإجزاء يساويها ويوازيها . روى  أبو ذر  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى قال : الحسنة عشر أو أزيد ، والسيئة واحدة أو أعفو ، فالويل لمن غلب آحاده أعشاره وقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة وإن لم يعملها ، فإن عملها فعشر أمثالها . وإن هم بسيئة فلا تكتبوها ، وإن عملها فسيئة واحدة وقوله : ( وهم لا يظلمون    ) أي لا ينقص من ثواب طاعتهم ، ولا يزاد على عقاب سيئاتهم . 
في الآية سؤالان : 
السؤال الأول : كفر ساعة كيف يوجب عقاب الأبد  على نهاية التغليظ . 
جوابه : أنه كان الكافر على عزم أنه لو عاش أبدا لبقي على ذلك الاعتقاد أبدا ، فلما كان ذلك العزم مؤبدا عوقب بعقاب الأبد خلاف المسلم المذنب ، فإنه يكون على عزم الإقلاع عن ذلك الذنب ، فلا جرم كانت عقوبته منقطعة . 
السؤال الثاني : إعتاق الرقبة الواحدة تارة جعل بدلا عن صيام ستين يوما ، وهو في كفارة الظهار ، وتارة جعل بدلا عن صيام أيام قلائل ، وذلك يدل على أن المساواة غير معتبرة . 
جوابه : إن المساواة إنما تحصل بوضع الشرع وحكمه . 
السؤال الثالث : إذا أحدث في رأس إنسان موضحتين : وجب فيه أرشان ، فإن رفع الحاجز بينهما صار الواجب أرش موضحة واحدة ، فههنا ازدادت الجناية ، وقل العقاب ، فالمساواة غير معتبرة . 
وجوابه : إن ذلك من تعبدات الشرع وتحكماته . 
السؤال الرابع : أنه يجب في مقابلة تفويت أكثر كل واحد من الأعضاء دية كاملة ، ثم إذا قتله وفوت كل الأعضاء ، وجبت دية واحدة ، وذلك يمنع القول من رعاية المماثلة . 
جوابه : أنه من باب تحكمات الشريعة . والله أعلم . 
				
						
						
