وأما قوله : ( وبالآخرة هم يوقنون ) ففيه مسائل :
( المسألة الأولى ) : الآخرة ، وسميت بذلك لأنها متأخرة عن الدنيا ، وقيل للدنيا دنيا لأنها أدنى من الآخرة . صفة الدار الآخرة
( المسألة الثانية ) : ، فلذلك لا يقول القائل : تيقنت وجود نفسي ، وتيقنت أن السماء فوقي ، لما أن العلم به غير مستدرك ، ويقال ذلك في العلم الحادث بالأمور سواء كان ذلك العلم ضروريا أو استدلاليا ، فيقول القائل : تيقنت ما أردته بهذا الكلام ، وإن كان قد علم مراده بالاضطرار ، ويقول : تيقنت أن الإله واحد ، وإن كان قد علمه بالاكتساب ؛ ولذلك لا يوصف الله تعالى بأنه يتيقن الأشياء . اليقين هو العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكا فيه
( المسألة الثالثة ) : أن الله تعالى مدحهم على كونهم متيقنين بالآخرة ، ومعلوم أنه لا يمدح المرء بأن يتيقن وجود الآخرة فقط ، بل لا يستحق المدح إلا إذا تيقن وجود الآخرة مع ما فيها من الحساب والسؤال وإدخال المؤمنين الجنة ، والكافرين النار . روي عنه عليه السلام أنه قال : " يا عجبا كل العجب من ، وعجبا ممن الشاك في الله وهو يرى خلقه ، وعجبا ممن يعرف النشأة الأولى ثم ينكر النشأة الآخرة وهو في كل يوم وليلة يموت ويحيا - يعني النوم واليقظة - وعجبا ممن ينكر البعث والنشور ، وعجبا من يؤمن بالجنة وما فيها من النعيم ثم يسعى لدار الغرور المتكبر الفخور وهو يعلم أن أوله نطفة مذرة ، وآخره جيفة قذرة " .