( ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين    ) . 
قوله تعالى : ( ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين    ) . 
اعلم أن هذا هو القصة السادسة من القصص التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة ، وذكر في هذه القصة من الشرح والتفصيل ما لم يذكر في سائر القصص ؛ لأجل أن معجزات موسى  كانت أقوى من معجزات سائر الأنبياء  ، وجهل قومه كان أعظم وأفحش من جهل سائر الأقوام . 
واعلم أن الكناية في قوله : ( من بعدهم    ) يجوز أن تعود إلى الأنبياء الذين جرى ذكرهم ، ويجوز أن تعود إلى الأمم الذين تقدم ذكرهم بإهلاكهم . 
وقوله : ( بآياتنا ) فيه مباحث : 
البحث الأول : هذه الآية تدل على أن النبي لا بد له من آية ومعجزة بها يمتاز عن غيره  ، إذ لو لم يكن مختصا بهذه الآية لم يكن قبول قوله أولى من قبول قول غيره . 
والبحث الثاني : هذه الآية تدل على أنه تعالى آتاه آيات كثيرة ومعجزات كثيرة . 
والبحث الثالث : قال  ابن عباس  رضي الله عنهما : أول آياته العصا ثم اليد ، ضرب بالعصا باب فرعون ، ففزع منها فشاب رأسه ، فاستحيا فخضب بالسواد ، فهو أول من خضب . 
قال : وآخر الآيات الطمس . 
قال : وللعصا فوائد كثيرة  منها ما هو مذكور في القرآن كقوله : ( هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى    ) [ طه : 18 ] . 
وذكر الله من تلك المآرب في القرآن قوله : ( اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا    ) [ البقرة : 60 ] . 
وذكر  ابن عباس  أشياء أخرى : 
منها : أنه كان يضرب الأرض بها فتنبت . 
ومنها : أنه كانت تحارب اللصوص والسباع التي كانت تقصد غنمه . 
ومنها : أنها كانت تشتعل في الليل كاشتعال الشمعة . 
ومنها : أنها كانت تصير كالحبل الطويل فينزح به الماء من البئر العميقة . 
 [ ص: 155 ] واعلم أن الفوائد المذكورة في القرآن معلومة ، فأما الأمور التي هي غير مذكورة في القرآن فكل ما ورد به خبر صحيح فهو مقبول ، وما لا فلا ، وقوله : إنه كان يضرب بها الأرض فتخرج النبات ضعيف ؛ لأن القرآن يدل على أن موسى  عليه السلام ، كان يفزع إلى العصا في الماء الخارج من الحجر ، وما كان يفزع إليها في طلب الطعام . 
أما قوله : ( فظلموا بها    ) أي فظلموا بالآيات التي جاءتهم ؛ لأن الظلم  وضع الشيء في غير موضعه ، فلما كانت تلك الآيات قاهرة ظاهرة ، ثم إنهم كفروا بها فوضعوا الإنكار في موضع الإقرار ، والكفر في موضع الإيمان - كان ذلك ظلما منهم على تلك الآيات . 
ثم قال : ( فانظر ) أي بعين عقلك ( كيف كان عاقبة المفسدين    ) وكيف فعلنا بهم . 
				
						
						
