( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون    ) 
قوله تعالى :( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون    ) 
واعلم أنه تعالى لما وصف الرسول ، وذكر أنه يجب على الخلق متابعته ، ذكر أن من قوم موسى    - عليه السلام - من اتبع الحق وهدي إليه  ، وبين أنهم جماعة ؛ لأن لفظ الأمة ينبئ عن الكثرة ، واختلفوا في أن هذه الأمة متى حصلت ، وفي أي زمان كانت ؟ فقيل هم اليهود  الذين كانوا في زمان الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، وأسلموا مثل  عبد الله بن سلام  ، وابن صوريا  ، والاعتراض عليه بأنهم كانوا قليلين في العدد ، ولفظ الأمة يقتضي الكثرة ، يمكن الجواب عنه بأنه لما كانوا مختلفين في الدين ، جاز إطلاق لفظ الأمة عليهم كما في قوله تعالى :( إن إبراهيم كان أمة    ) [ النحل : 120 ] وقيل : إنهم قوم مشوا على الدين الحق الذي جاء به موسى  ودعوا الناس إليه وصانوه عن التحريف والتبديل في زمن تفرق بني إسرائيل  وإحداثهم البدع ، ويجوز أن يكونوا أقاموا على ذلك إلى أن جاء المسيح فدخلوا في دينه ، ويجوز أن يكونوا هلكوا قبل ذلك ، وقال السدي وجماعة من المفسرين : إن بني إسرائيل  لما كفروا وقتلوا الأنبياء ، بقي سبط في جملة الاثني عشر فما صنعوا وسألوا الله أن ينقذهم منهم ، ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين . ثم هؤلاء اختلفوا ، منهم من قال : إنهم بقوا متمسكين بدين اليهودية  إلى الآن ، ومنهم من قال إنهم الآن على دين محمد    - صلى الله عليه وسلم - يستقبلون الكعبة  ، وتركوا السبت وتمسكوا بالجمعة ، لا يتظالمون ولا يتحاسدون ولا يصل إليهم منا أحد ولا إلينا منهم أحد . وقال بعض المحققين : هذا القول ضعيف لأنه إما أن يقال : وصل إليهم خبر محمد    - صلى الله عليه وسلم - ، أو ما وصل إليهم هذا الخبر . 
فإن قلنا : وصل خبره إليهم ، ثم إنهم أصروا على اليهودية  فهم كفار ، فكيف يجوز وصفهم بكونهم أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ؟ وإن قلنا بأنهم لم يصل إليهم خبر محمد    - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا بعيد ؛ لأنه لما وصل خبرهم إلينا ، مع أن الدواعي لا تتوفر على نقل أخبارهم ، فكيف يعقل أن لا يصل إليهم خبر محمد    - عليه الصلاة والسلام - مع أن الدنيا قد امتلأت من خبره وذكره ؟ 
فإن قالوا : أليس يأجوج ومأجوج قد وصل خبرهم إلينا ولم يصل خبرنا إليهم ؟ 
قلنا : هذا ممنوع ، فمن أين عرف أنه لم يصل خبرنا إليهم ؟ فهذا جملة ما قيل في هذا الباب . 
إذا عرفت هذا فنقول : قوله :( يهدون بالحق    ) أي يدعون الناس إلى الهداية بالحق( وبه يعدلون    ) قال   [ ص: 28 ] الزجاج    : العدل الحكم بالحق . يقال : هو يقضي بالحق ويعدل ؛ وهو حكم عادل ، ومن ذلك قوله :( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء    ) [ النساء : 129 ] وقوله :( وإذا قلتم فاعدلوا    ) [ الأنعام : 152 ] . 
				
						
						
