(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين )
قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين )
واعلم أنه تعالى لما بالغ في تهديد المعرضين عن آياته ، الغافلين عن التأمل في دلائله وبيناته ، عاد إلى الجواب عن شبهاتهم . فقال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة ) والتفكر طلب المعنى بالقلب ؛ وذلك لأن فكرة القلب هو المسمى بالنظر ، والتعقل في الشيء والتأمل فيه والتدبر له ، وكما أن الرؤية بالبصر حالة مخصوصة من الانكشاف والجلاء ، ولها مقدمة وهي تقليب الحدقة إلى جهة المرئي : طلبا لتحصيل تلك الرؤية بالبصر ، فكذلك الرؤية بالبصيرة ، وهي المسماة بالعلم واليقين حالة مخصوصة في الانكشاف والجلاء ، ولها مقدمة وهي تقليب حدقة العقل إلى الجوانب طلبا لذلك الانكشاف والتجلي ، وذلك هو المسمى بنظر العقل وفكرته ، فقوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184أولم يتفكروا ) أمر
nindex.php?page=treesubj&link=19778_19781بالفكر والتأمل والتدبر والتروي لطلب معرفة الأشياء كما هي عرفانا تاما ، وفي اللفظ محذوف والتقدير : أولم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة ، والجنة حالة من الجنون ، كالجلسة والركبة ودخول " من " في قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184من جنة ) يوجب أن لا يكون به نوع من أنواع الجنون .
واعلم أن بعض الجهال من
أهل مكة كانوا ينسبونه إلى الجنون لوجهين :
الأول : أن فعله - عليه السلام - كان مخالفا لفعلهم ، وذلك لأنه - عليه السلام - كان معرضا عن الدنيا مقبلا على الآخرة ، مشتغلا بالدعوة إلى الله ، فكان العمل مخالفا لطريقتهم ، فاعتقدوا فيه أنه مجنون . قال
الحسن وقتادة :
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام ليلا على الصفا يدعو فخذا فخذا من قريش . فقال يا بني فلان يا بني فلان ، وكان يحذرهم بأس الله وعقابه ، فقال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون ، واظب على الصياح طول هذه الليلة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وحثهم على التفكر في أمر الرسول - عليه السلام - ، ليعلموا أنه إنما دعا للإنذار لا لما نسبه إليه الجهال .
الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=30603أنه - عليه السلام - كان يغشاه حالة عجيبة عند نزول الوحي فيتغير وجهه ويصفر لونه ، وتعرض له حالة شبيهة بالغشي ، فالجهال كانوا يقولون إنه جنون فالله تعالى بين في هذه الآية أنه ليس به نوع من أنواع الجنون ، وذلك لأنه - عليه السلام - كان يدعوهم إلى الله ، ويقيم الدلائل القاطعة والبينات الباهرة ، بألفاظ فصيحة بلغت في الفصاحة إلى حيث عجز الأولون والآخرون عن معارضتها ، وكان
nindex.php?page=treesubj&link=30961حسن الخلق ، طيب العشرة ، مرضي الطريقة نقي السيرة ، مواظبا على أعمال حسنة صار بسببها قدوة للعقلاء العالمين ، ومن المعلوم بالضرورة أن مثل هذا الإنسان لا يمكن وصفه بالجنون ، وإذا ثبت هذا ظهر أن اجتهاده على الدعوة إلى الدين إنما كان لأنه نذير مبين ، أرسله رب العالمين لترهيب الكافرين ، وترغيب المؤمنين ، ولما كان النظر في أمر النبوة مفرعا على تقرير دلائل التوحيد ، لا جرم ذكر عقيبه ما يدل على التوحيد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ )
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي تَهْدِيدِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَاتِهِ ، الْغَافِلِينَ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي دَلَائِلِهِ وَبَيِّنَاتِهِ ، عَادَ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ شُبَهَاتِهِمْ . فَقَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ) وَالتَّفَكُّرُ طَلَبُ الْمَعْنَى بِالْقَلْبِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِكْرَةَ الْقَلْبِ هُوَ الْمُسَمَّى بِالنَّظَرِ ، وَالتَّعَقُّلِ فِي الشَّيْءِ وَالتَّأَمُّلِ فِيهِ وَالتَّدَبُّرِ لَهُ ، وَكَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ بِالْبَصَرِ حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ مِنَ الِانْكِشَافِ وَالْجَلَاءِ ، وَلَهَا مُقَدِّمَةٌ وَهِيَ تَقْلِيبُ الْحَدَقَةِ إِلَى جِهَةِ الْمَرْئِيِّ : طَلَبًا لِتَحْصِيلِ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ بِالْبَصَرِ ، فَكَذَلِكَ الرُّؤْيَةُ بِالْبَصِيرَةِ ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ فِي الِانْكِشَافِ وَالْجَلَاءِ ، وَلَهَا مُقَدِّمَةٌ وَهِيَ تَقْلِيبُ حَدَقَةِ الْعَقْلِ إِلَى الْجَوَانِبِ طَلَبًا لِذَلِكَ الِانْكِشَافِ وَالتَّجَلِّي ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُسَمَّى بِنَظَرِ الْعَقْلِ وَفِكْرَتِهِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ) أَمْرٌ
nindex.php?page=treesubj&link=19778_19781بِالْفِكْرِ وَالتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ وَالتَّرَوِّي لِطَلَبِ مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ كَمَا هِيَ عِرْفَانًا تَامًّا ، وَفِي اللَّفْظِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ : أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فَيَعْلَمُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ، وَالْجِنَّةُ حَالَةٌ مِنَ الْجُنُونِ ، كَالْجِلْسَةِ وَالرِّكْبَةِ وَدُخُولُ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=184مِنْ جِنَّةٍ ) يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْجُنُونِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْجُهَّالِ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ كَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَى الْجُنُونِ لِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُخَالِفًا لِفِعْلِهِمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُعْرِضًا عَنِ الدُّنْيَا مُقْبِلًا عَلَى الْآخِرَةِ ، مُشْتَغِلًا بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ ، فَكَانَ الْعَمَلُ مُخَالِفًا لِطَرِيقَتِهِمْ ، فَاعْتَقَدُوا فِيهِ أَنَّهُ مَجْنُونٌ . قَالَ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ :
إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ لَيْلًا عَلَى الصَّفَا يَدْعُو فَخِذًا فَخِذًا مِنْ قُرَيْشٍ . فَقَالَ يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي فُلَانٍ ، وَكَانَ يُحَذِّرُهُمْ بَأْسَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ : إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا لَمَجْنُونٌ ، وَاظَبَ عَلَى الصِّيَاحِ طُولَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَحَثَّهُمْ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا دَعَا لِلْإِنْذَارِ لَا لِمَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْجُهَّالُ .
الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=30603أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَغْشَاهُ حَالَةٌ عَجِيبَةٌ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ فَيَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ وَيَصْفَرُّ لَوْنُهُ ، وَتَعْرِضُ لَهُ حَالَةٌ شَبِيهَةٌ بِالْغَشْيِ ، فَالْجُهَّالُ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّهُ جُنُونٌ فَاللَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْجُنُونِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَيُقِيمُ الدَّلَائِلَ الْقَاطِعَةَ وَالْبَيِّنَاتِ الْبَاهِرَةَ ، بِأَلْفَاظٍ فَصِيحَةٍ بَلَغَتْ فِي الْفَصَاحَةِ إِلَى حَيْثُ عَجَزَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهَا ، وَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=30961حَسَنَ الْخُلُقِ ، طَيِّبَ الْعِشْرَةِ ، مَرْضِيَّ الطَّرِيقَةِ نَقِيَّ السِّيرَةِ ، مُوَاظِبًا عَلَى أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ صَارَ بِسَبَبِهَا قُدْوَةً لِلْعُقَلَاءِ الْعَالِمِينَ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِنْسَانِ لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِالْجُنُونِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ اجْتِهَادَهُ عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ، أَرْسَلَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِتَرْهِيبِ الْكَافِرِينَ ، وَتَرْغِيبِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَمَّا كَانَ النَّظَرُ فِي أَمْرِ النُّبُوَّةِ مُفَرَّعًا عَلَى تَقْرِيرِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ ، لَا جَرَمَ ذُكِرَ عَقِيبَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ .