( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) .
قوله تعالى :( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون )
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الأعداء أنهم يحاولون إبطال أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وبين تعالى أنه يأبى ذلك الإبطال وأنه يتم أمره ، بين كيفية ذلك الإتمام ، فقال :( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) .
واعلم أن صلوات الله عليهم لا تحصل إلا بمجموع أمور : أولها : كثرة الدلائل والمعجزات ، وهو المراد من قوله :( كمال حال الأنبياء أرسل رسوله بالهدى ) .
وثانيها : كون دينه مشتملا على أمور يظهر لكل أحد كونها موصوفة بالصواب والصلاح ، ومطابقة الحكمة ، وموافقة المنفعة في الدنيا والآخرة ، وهو المراد من قوله :( ودين الحق ) .
وثالثها : صيرورة دينه مستعليا على سائر الأديان غالبا عليها ، غالبا لأضدادها قاهرا [ ص: 33 ] لمنكريها ، وهو المراد من قوله :( ليظهره على الدين كله ) .
واعلم أن ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجة ، وقد يكون بالكثرة والوفور ، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء ، ومعلوم أنه تعالى بشر بذلك ، ولا يجوز أن يبشر إلا بأمر مستقبل غير حاصل ، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم ، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة .
فإن قيل : ظاهر قوله :( ليظهره على الدين كله ) يقتضي كونه غالبا لكل الأديان ، وليس الأمر كذلك ، فإن الإسلام لم يصر غالبا لسائر الأديان في أرض الهند والصين والروم ، وسائر أراضي الكفرة .
قلنا : أجابوا عنه من وجوه :
الوجه الأول : أنه إلا وقد قهرهم المسلمون ، وظهروا عليهم في بعض المواضع ، وإن لم يكن كذلك في جميع مواضعهم ، فقهروا لا دين بخلاف الإسلام اليهود ، وأخرجوهم من بلاد العرب ، وغلبوا النصارى على بلاد الشام وما والاها إلى ناحية الروم والغرب ، وغلبوا المجوس على ملكهم ، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك والهند ، وكذلك سائر الأديان ، فثبت أن الذي أخبر الله عنه في هذه الآية قد وقع وحصل ، وكان ذلك إخبارا عن الغيب فكان معجزا .
الوجه الثاني : في الجواب أن نقول : روي عن رضي الله عنه أنه قال : هذا أبي هريرة ، وتمام هذا إنما يحصل عند خروج وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام عاليا على جميع الأديان عيسى ، وقال السدي : ذلك عند خروج المهدي ، لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام أو أدى الخراج .
الوجه الثالث : المراد : ليظهر الإسلام على الدين كله في جزيرة العرب ، وقد حصل ذلك فإنه تعالى ما أبقى فيها أحدا من الكفار .
الوجه الرابع : أن ليظهره على الدين كله ) أن يوقفه على جميع شرائع الدين ، ويطلعه عليها بالكلية حتى لا يخفى عليه منها شيء . المراد من قوله :(
الوجه الخامس : أن المراد من قوله :( ليظهره على الدين كله ) بالحجة والبيان إلا أن هذا ضعيف ؛ لأن هذا وعد بأنه تعالى سيفعله ، والتقوية بالحجة والبيان كانت حاصلة من أول الأمر ، ويمكن أن يجاب عنه بأن في مبدأ الأمر كثرت الشبهات بسبب ضعف المؤمنين واستيلاء الكفار ، ومنع الكفار سائر الناس من التأمل في تلك الدلائل . أما بعد قوة دولة الإسلام عجزت الكفار فضعفت الشبهات ، فقوي ظهور دلائل الإسلام ، فكان المراد من تلك البشارة هذه الزيادة .