( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون    ) 
قوله تعالى : ( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون    ) 
اعلم أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم بقولهم : ( إن هذا إلا سحر مبين    ) ، فحكى عنهم في هذه الآية نوعا آخر من أباطيلهم ، وهو أنه متى تأخر عنهم العذاب الذي توعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم به أخذوا في الاستهزاء ويقولون : ما السبب الذي حبسه عنا ؟ 
فأجاب الله تعالى بأنه إذا جاء الوقت الذي عينه الله لنزول ذلك العذاب الذي كانوا يستهزئون به لم ينصرف ذلك العذاب عنهم ، وأحاط بهم ذلك العذاب . 
بقي ههنا سؤالات : 
السؤال الأول : المراد من هذا العذاب هو عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ؟ 
الجواب : للمفسرين فيه وجوه : 
الأول : قال الحسن    : معنى حكم الله في هذه الآية أنه لا يعذب أحدا منهم بعذاب الاستئصال ، وأخر ذلك إلى يوم القيامة  ، فلما أخر الله عنهم ذلك العذاب قالوا على سبيل الاستهزاء : ما الذي حبسه عنا ؟ 
والثاني : أن المراد الأمر بالجهاد وما نزل بهم يوم بدر  ، وعلى هذا الوجه تأولوا   [ ص: 152 ] قوله : ( وحاق بهم    ) أي نزل بهم هذا العذاب يوم بدر    . 
السؤال الثاني : ما المراد بقوله : ( إلى أمة معدودة    ) . 
الجواب من وجهين : 
الأول : أن الأصل في الأمة هم الناس والفرقة ، فإذا قلت : جاءني أمة من الناس ، فالمراد طائفة مجتمعة ، قال تعالى : ( وجد عليه أمة من الناس يسقون    ) [القصص : 23] ، وقوله : ( وادكر بعد أمة    ) [يوسف : 45] أي بعد انقضاء أمة وفنائها ، فكذا ههنا قوله : ( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة    ) أي : إلى حين تنقضي أمة من الناس انقرضت بعد هذا الوعيد بالقول ، لقالوا : ماذا يحبسه عنا وقد انقرض من الناس الذين كانوا متوعدين بهذا الوعيد ؟ وتسمية الشيء باسم ما يحصل فيه كقولك : كنت عند فلان صلاة العصر ، أي في ذلك الحين . 
الثاني : أن اشتقاق الأمة من الأم ، وهو القصد ، كأنه يعني الوقت المقصود بإيقاع هذا الموعود فيه . 
السؤال الثالث : لم قال : ( وحاق    ) على لفظ الماضي مع أن ذلك لم يقع ؟ 
والجواب : قد مر في هذا الكتاب آيات كثيرة من هذا الجنس ، والضابط فيها أنه تعالى أخبر عن أحوال القيامة بلفظ الماضي مبالغة في التأكيد والتقرير . 
				
						
						
