(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إذ قال يوسف لأبيه ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : تقدير الآية : اذكر (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إذ قال يوسف ) قال صاحب الكشاف : الصحيح أنه اسم عبراني ، لأنه لو كان عربيا لانصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف ، وقرأ بعضهم " يوسف " بكسر السين " ويوسف " بفتحها . وأيضا روي في يونس هذه اللغات الثلاث ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012960إذا قيل : من الكريم ؟ فقولوا : nindex.php?page=treesubj&link=31895_31897_31902الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام " .
المسألة الثانية : قرأ
ابن عامر " يا أبت " بفتح التاء في جميع القرآن ، والباقون بكسر التاء . أما الفتح فوجهه أنه كان في الأصل " يا أبتاه " على سبيل الندبة ، فحذفت الألف والهاء . وأما الكسر فأصله يا أبي ، فحذفت الياء واكتفي بالكسرة عنها ثم أدخل هاء الوقف فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4ياأبت ) ثم كثر استعماله حتى صار كأنه من نفس الكلمة فأدخلوا عليه الإضافة ، وهذا قول
ثعلب nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري .
واعلم أن النحويين طولوا في هذه المسألة ، ومن أراد كلامهم فليطالع كتبهم .
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=31895_31786_24397أن يوسف عليه السلام رأى في المنام أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر سجدت له ، وكان له أحد عشر نفرا من الإخوة ، ففسر الكواكب بالإخوة ، والشمس والقمر بالأب والأم ، والسجود بتواضعهم له ودخولهم تحت أمره ، وإنما حملنا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إني رأيت أحد عشر كوكبا ) على الرؤيا لوجهين :
الأول : أن الكواكب لا تسجد في الحقيقة ، فوجب حمل هذا الكلام على الرؤيا .
والثاني : قول
يعقوب عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5لا تقصص رؤياك على إخوتك ) [ يوسف : 5 ] وفي الآية سؤالات :
[ ص: 70 ] السؤال الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4رأيتهم لي ساجدين ) فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4ساجدين ) لا يليق إلا بالعقلاء ، والكواكب جمادات ، فكيف جازت اللفظة المخصوصة بالعقلاء في حق الجمادات ؟ .
قلنا : إن جماعة من الفلاسفة الذين يزعمون أن الكواكب أحياء ناطقة احتجوا بهذه الآية ، وكذلك احتجوا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 40 ] والجمع بالواو والنون مختص بالعقلاء . وقال
الواحدي : إنه تعالى لما وصفها بالسجود صارت كأنها تعقل ، فأخبر عنها كما يخبر عمن يعقل كما قال في صفة الأصنام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=198وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) [ الأعراف : 198 ] وكما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم ) [ النمل : 18] .
السؤال الثاني : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ) ثم أعاد لفظ الرؤيا مرة ثانية ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4رأيتهم لي ساجدين ) فما الفائدة في هذا التكرير ؟
الجواب : قال القفال - رحمه الله - : ذكر الرؤية الأولى لتدل على أنه شاهد الكواكب والشمس والقمر ، والثانية لتدل على مشاهدة كونها ساجدة له ، وقال بعضهم : إنه لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ) فكأنه قيل له : كيف رأيت ؟ فقال : رأيتهم لي ساجدين ، وقال آخرون : يجوز أن يكون أحدهما من الرؤية والآخر من الرؤيا ، وهذا القائل لم يبين أن أيهما يحمل على الرؤية وأيهما الرؤيا فذكر قولا مجملا غير مبين .
السؤال الثالث : لم أخر الشمس والقمر ؟
قلنا : أخرهما لفضلهما على الكواكب ، لأن التخصيص بالذكر يدل على مزيد الشرف كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) [ البقرة : 98] .
السؤال الرابع : المراد بالسجود نفس السجود أو التواضع كما في قوله :
ترى الأكم فيه سجدا للحوافر
قلنا : كلاهما محتمل ، والأصل في الكلام حمله على حقيقته . ولا مانع أن يرى في المنام أن الشمس والقمر والكواكب سجدت له .
السؤال الخامس : متى رأى
يوسف عليه السلام هذه الرؤيا ؟
قلنا : لا شك أنه رآها حال الصغر ، فأما ذلك الزمان بعينه فلا يعلم إلا بالإخبار . قال
وهب : رأى
يوسف عليه السلام وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة ، وإذا عصا صغيرة وثبت عليها حتى ابتلعتها ، فذكر ذلك لأبيه فقال : إياك أن تذكر هذا لإخوتك ، ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب تسجد له فقصها على أبيه فقال : لا تذكرها لهم فيكيدوا لك كيدا . وقيل : كان بين رؤيا
يوسف ومصير إخوته إليه أربعون سنة وقيل : ثمانون سنة .
واعلم أن الحكماء يقولون إن
nindex.php?page=treesubj&link=29797_24405_24404الرؤيا الرديئة يظهر تعبيرها عن قريب ،
nindex.php?page=treesubj&link=24405_29797_29800والرؤيا الجيدة إنما يظهر تعبيرها بعد حين . قالوا : والسبب في ذلك أن رحمة الله تقتضي أن لا يحصل الإعلام بوصول الشر إلا عند قرب وصوله حتى يكون الحزن والغم أقل ، وأما الإعلام بالخير فإنه يحصل متقدما على ظهوره بزمان طويل حتى
[ ص: 71 ] تكون البهجة الحاصلة بسبب توقع حصول ذلك الخير أكثر وأتم .
السؤال السادس : قال بعضهم : المراد من الشمس والقمر أبوه وخالته فما السبب فيه ؟
قلنا : إنما قالوا ذلك من حيث ورد في الخبر أن والدته توفيت وما دخلت عليه حال ما كان
بمصر قالوا : ولو كان المراد من الشمس والقمر أباه وأمه لما ماتت لأن رؤيا الأنبياء عليهم السلام لا بد وأن تكون وحيا ، وهذه الحجة غير قوية لأن
يوسف عليه السلام ما كان في ذلك الوقت من الأنبياء .
السؤال السابع : وما تلك الكواكب ؟
قلنا : روى صاحب الكشاف
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012961أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسف ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل جبريل عليه السلام وأخبره بذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام لليهودي : " إن أخبرتك هل تسلم ؟ " قال : نعم ، قال : " جربان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلت من السماء وسجدت له " فقال اليهودي : أي والله إنها لأسماؤها .
واعلم أن كثيرا من هذه الأسماء غير مذكور في الكتب المصنفة في صورة الكواكب ، والله أعلم بحقيقة الحال .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) .
وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : تَقْدِيرُ الْآيَةِ : اذْكُرْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِذْ قَالَ يُوسُفُ ) قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَرَبِيًّا لَانْصَرَفَ لِخُلُوِّهِ عَنْ سَبَبٍ آخَرَ سِوَى التَّعْرِيفِ ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ " يُوسِفَ " بِكَسْرِ السِّينِ " وَيُوسَفَ " بِفَتْحِهَا . وَأَيْضًا رُوِيَ فِي يُونُسَ هَذِهِ اللُّغَاتُ الثَّلَاثُ ، وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012960إِذَا قِيلَ : مَنِ الْكَرِيمُ ؟ فَقُولُوا : nindex.php?page=treesubj&link=31895_31897_31902الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ " .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ " يَا أَبَتَ " بِفَتْحِ التَّاءِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِ التَّاءِ . أَمَّا الْفَتْحُ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ " يَا أَبَتَاهُ " عَلَى سَبِيلِ النُّدْبَةِ ، فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ وَالْهَاءُ . وَأَمَّا الْكَسْرُ فَأَصْلُهُ يَا أَبِي ، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ وَاكْتُفِيَ بِالْكَسْرَةِ عَنْهَا ثُمَّ أُدْخِلَ هَاءُ الْوَقْفِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4يَاأَبَتِ ) ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ الْإِضَافَةَ ، وَهَذَا قَوْلُ
ثَعْلَبٍ nindex.php?page=showalam&ids=12590وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ .
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّحْوِيِّينَ طَوَّلُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَمَنْ أَرَادَ كَلَامَهُمْ فَلْيُطَالِعْ كُتُبَهُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31895_31786_24397أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ سَجَدَتْ لَهُ ، وَكَانَ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفَرًا مِنَ الْإِخْوَةِ ، فَفَسَّرَ الْكَوَاكِبَ بِالْإِخْوَةِ ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَالسُّجُودَ بِتَوَاضُعِهِمْ لَهُ وَدُخُولِهِمْ تَحْتَ أَمْرِهِ ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَا قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا ) عَلَى الرُّؤْيَا لِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَا تَسْجُدُ فِي الْحَقِيقَةِ ، فَوَجَبَ حَمْلُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى الرُّؤْيَا .
وَالثَّانِي : قَوْلُ
يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ) [ يُوسُفَ : 5 ] وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ :
[ ص: 70 ] السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4سَاجِدِينَ ) لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْعُقَلَاءِ ، وَالْكَوَاكِبُ جَمَادَاتٌ ، فَكَيْفَ جَازَتِ اللَّفْظَةُ الْمَخْصُوصَةُ بِالْعُقَلَاءِ فِي حَقِّ الْجَمَادَاتِ ؟ .
قُلْنَا : إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ أَحْيَاءٌ نَاطِقَةٌ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَكَذَلِكَ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) [ يس : 40 ] وَالْجَمْعُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ مُخْتَصٌّ بِالْعُقَلَاءِ . وَقَالَ
الْوَاحِدِيُّ : إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَهَا بِالسُّجُودِ صَارَتْ كَأَنَّهَا تَعْقِلُ ، فَأَخْبَرَ عَنْهَا كَمَا يُخْبِرُ عَمَّنْ يَعْقِلُ كَمَا قَالَ فِي صِفَةِ الْأَصْنَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=198وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ) [ الْأَعْرَافِ : 198 ] وَكَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ) [ النَّمْلِ : 18] .
السُّؤَالُ الثَّانِي : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) ثُمَّ أَعَادَ لَفْظَ الرُّؤْيَا مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) فَمَا الْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّكْرِيرِ ؟
الْجَوَابُ : قَالَ الْقَفَّالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ذَكَرَ الرُّؤْيَةَ الْأُولَى لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ شَاهَدَ الْكَوَاكِبَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، وَالثَّانِيَةَ لِتَدُلَّ عَلَى مُشَاهَدَةِ كَوْنِهَا سَاجِدَةً لَهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : كَيْفَ رَأَيْتَ ؟ فَقَالَ : رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ، وَقَالَ آخَرُونَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالْآخَرُ مِنَ الرُّؤْيَا ، وَهَذَا الْقَائِلُ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ أَيَّهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَأَيَّهُمَا الرُّؤْيَا فَذَكَرَ قَوْلًا مُجْمَلًا غَيْرَ مُبَيَّنٍ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : لِمَ أَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ؟
قُلْنَا : أَخَّرَهُمَا لِفَضْلِهِمَا عَلَى الْكَوَاكِبِ ، لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ الشَّرَفِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) [ الْبَقَرَةِ : 98] .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ : الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ نَفْسُ السُّجُودِ أَوِ التَّوَاضُعُ كَمَا فِي قَوْلِهِ :
تَرَى الْأَكَمَ فِيهِ سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ
قُلْنَا : كِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ . وَلَا مَانِعَ أَنْ يَرَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ سَجَدَتْ لَهُ .
السُّؤَالُ الْخَامِسُ : مَتَى رَأَى
يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الرُّؤْيَا ؟
قُلْنَا : لَا شَكَّ أَنَّهُ رَآهَا حَالَ الصِّغَرِ ، فَأَمَّا ذَلِكَ الزَّمَانُ بِعَيْنِهِ فَلَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالْإِخْبَارِ . قَالَ
وَهْبٌ : رَأَى
يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ عَصًا طِوَالًا كَانَتْ مَرْكُوزَةً فِي الْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدَّائِرَةِ ، وَإِذَا عَصًا صَغِيرَةٌ وَثَبَتَ عَلَيْهَا حَتَّى ابْتَلَعَتْهَا ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِأَبِيهِ فَقَالَ : إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ هَذَا لِإِخْوَتِكَ ، ثُمَّ رَأَى وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ تَسْجُدُ لَهُ فَقَصَّهَا عَلَى أَبِيهِ فَقَالَ : لَا تَذْكُرْهَا لَهُمْ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا . وَقِيلَ : كَانَ بَيْنَ رُؤْيَا
يُوسُفَ وَمَصِيرِ إِخْوَتِهِ إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَقِيلَ : ثَمَانُونَ سَنَةً .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكَمَاءَ يَقُولُونَ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29797_24405_24404الرُّؤْيَا الرَّدِيئَةَ يَظْهَرُ تَعْبِيرُهَا عَنْ قَرِيبٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=24405_29797_29800وَالرُّؤْيَا الْجَيِّدَةُ إِنَّمَا يَظْهَرُ تَعْبِيرُهَا بَعْدَ حِينٍ . قَالُوا : وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْصُلَ الْإِعْلَامُ بِوُصُولِ الشَّرِّ إِلَّا عِنْدَ قُرْبِ وُصُولِهِ حَتَّى يَكُونَ الْحُزْنُ وَالْغَمُّ أَقَلَّ ، وَأَمَّا الْإِعْلَامُ بِالْخَيْرِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى ظُهُورِهِ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ حَتَّى
[ ص: 71 ] تَكُونَ الْبَهْجَةُ الْحَاصِلَةُ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ حُصُولِ ذَلِكَ الْخَيْرِ أَكْثَرَ وَأَتَمَّ .
السُّؤَالُ السَّادِسُ : قَالَ بَعْضُهُمْ : الْمُرَادُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَبُوهُ وَخَالَتُهُ فَمَا السَّبَبُ فِيهِ ؟
قُلْنَا : إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ وَالِدَتَهُ تُوُفِّيَتْ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ حَالَ مَا كَانَ
بِمِصْرَ قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَبَاهُ وَأُمَّهُ لَمَا مَاتَتْ لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ وَحْيًا ، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ لِأَنَّ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ .
السُّؤَالُ السَّابِعُ : وَمَا تِلْكَ الْكَوَاكِبُ ؟
قُلْنَا : رَوَى صَاحِبُ الْكَشَّافِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012961أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ النُّجُومِ الَّتِي رَآهُنَّ يُوسُفُ ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْيَهُودِيِّ : " إِنْ أَخْبَرْتُكَ هَلْ تُسْلِمُ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " جَرْبَانُ وَالطَّارِقُ وَالذَّيَّالُ وَقَابِسٌ وَعَمُودَانُ وَالْفُلَيْقُ وَالْمُصْبِحُ وَالضَّرُوحُ وَالْفَرْغُ وَوَثَّابٌ وَذُو الْكَتِفَيْنِ رَآهَا يُوسُفُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ وَسَجَدَتْ لَهُ " فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَيْ وَاللَّهِ إِنَّهَا لَأَسْمَاؤُهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي صُورَةِ الْكَوَاكِبِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ .